الشاعر الأردني جميل أبو صبيح يطالب بثورة ثقافية ويؤكد: السرديات مستقبل القصيدة | ثقافة
عمّان- يرى الشاعر جميل أبو صبيح أنه يرفع راية التجديد في القصيدة العربية وأن رؤيته أو أسلوبه في تبني “السرديات الشعرية” سيكون السائد في القريب العاجل رغم تفاوت وجهات نظر القراء والنقاد.
وينظر أبو صبيح للجنس الأدبي الذي يتبناه في الأردن باعتباره تطورا ملحوظا ومنقذا من حالة أسماها “السكون” في القصيدة العربية، ويؤكد بثقة أن المستقبل للسرديات الشعرية، وينصح من يريدون الصعود نحو القمة ووضع بصمتهم في المشهد الشعري بالجنس الشعري الذي يعتمد السردية الحكائية بناء ومضمونا في القصيدة.
وحسب رأيه فإن القصيدة العربية لم تعد قادرة على تطوير لغتها، ولهذا لا بد من التغيير إلى أدب “السرديات الشعرية” التي تعتمد لغة بصرية ولهذا على من يريدون للقصيدة أن تستعيد مكانتها كمؤثر ومحفز للمواقف والعواطف واستنهاض الهمم اختيار هذا النهج الشعري الجديد، معتبرا أن “من لم يجدد لغته فالقطار لا ينتظر أحدا”.
ويرى الناقد والشاعر الدكتور راشد عيسى أن “سرديات أبو صبيح” لم تنل مشروعيتها، واصفا إياها باجتهادات جائزة وضرورية ومغامرة شجاعة ومتفردة ولكن لا يراهن أن تنال اعترافا في الأجل القريب. فيما يرى الناقد محمد المشايخ أن “السرديات” أضافت قدرة سحرية على التأليف بين الرموز والمجازات ولها أثر على فن الشعر وليس على المشهد الشعري.
ويقول أبو صبيح إنه اختار قصيدة النثر إلى جانب كتابة قصيدة الشعر الحر والبيتية “فالنثر لغة مغايرة وبالتالي لها مساحة وأسلوب يعطيان طرقا جديدة للتعبير ومخيلة تتواءم مع اللغة الشعرية الجديدة “السرديات”، لذلك كوّنت عالما شعريا لم يكن مطروقا من قبل أكثر جمالية ويمتلك قدرة على ارتياد جغرافيا جديدة لفن اللغة الشعرية”.
ويرى صبيح أن هذا النوع من الكتابة الشعرية “السرديات” نوع ثالث جديد لم تكن لغته موجودة من قبل، لأنه يعتمد على البصريات التي تتوالد من الصورة التي قبلها فيما نسميه “المشهدية” بحيث تتكون من توالي الصور وتناسلها كبديل عن قصيدة النثر أو ما يسمونه “المجانية”.
ويعتبر أن “السرديات” قصيدة غير منبرية ولا يمكن قراءتها منبريا إلا أنها تقرأ بالعيون فقط وبالتالي تخلصت بهذه اللغة الصورية من معظم ما كانت تعاني منه قصيدة النثر العربية، هذه المعاناة التي جعلتها غير قادرة على التطور، وهي مرحلة رمادية ما بين النثر والشعر ومن أصعب أنواع الكتابة الشعرية لاحتوائها على كثير من المنزلقات “يستسهلها البعض لكنهم لا يعرفون أسرارها؛ فهي قصائد تعتمد الصورة والإيجاز”.
إنصات دون تصفيق
-
السرديات نمط جديد على المشهد الشعري.. كيف استقبله الجمهور خاصة في المهرجانات الشعرية؟
جمهور الشعر -وخاصة المثقف منه- استقبلها بحماس فلو قرأت قصيدة طويلة مثل سردية “نسيج العاصفة” تنتهي ويعتقد الجمهور وجود قصائد أخرى قادمة لأنها لا تعتمد على التصفيق ولا تطلبه إنما تعتمد على الإنصات ومتابعة المخيلة وتتحدث عن الواقع المعاش بخاصة الواقع القتالي مع العدو الصهيوني.
وقصيدة “لست أبكي” التي جاء فيها / لكنه دمعي يسيل/ أضع راحتي على جبهتي/ أخفي وجهي/.. تتحدث عن عائلة فلسطينية هدم الاحتلال بيتها والزوج ممنوع من التقدم ويرى أهل بيته تحت الردم ولكنه لا يستسلم ولا يبكي ويصرخ بالجنود “لكم اليوم ولي الغد”.
-
يقال إن الشعر للمتعة أو التأدب.. ما رأيك؟
الشعر ليس موظفا بل هو عمل إنساني راق من خلال المخيلة والحياة الإنسانية العادية بما فيها من سعادة وأوجاع، فأي نص يحمل ما هو موجود داخل الشاعر من ألم وسعادة وبالتالي لا يتناول جزءا من الحياة ويترك آخر.
وشخصيا، لستُ شاعر المناسبات ولا شاعر أوقات فراغ أو شاعر هدف محدد، أنا أحمل ما يعانيه الإنسان لأحتوي العالم، ومن هنا تكون عالمية النص وإن لم ينل الانتشار الواسع.
-
بعض قصائدك تميل إلى الصوفية.. هل أنت صوفي؟
لقد وضعت لنفسي حدًّا أساسيًّا هو عدم التجذيف ولا أمارس ما يمارسه كثير من الشعراء في الحياة العامة، لذلك يتعجبون كيف أصبحت شاعرا فأنا في داخلي صوفي من المولد لأن والدي رحمه الله تعالى كان من الدراويش.. عايشتهم من صغري وتتلمذت على قصائدهم وابتهالاتهم في ما يسمونه “الحضرة” وهي الذكر الجماعي بحضور شيخ الطريقة الإبراهيمية.
وشخصيا، مارست سلوكهم وأورادهم وعايشتها في حدائق غناء جميلة يعيشها الزاهد، الأمر الذي كان له أثر على اللغة الشعرية التي أكتبها، كما أضافت قصائد المتصوفة -كالإمام الجنيد وابن عربي ورابعة العدوية- لي مخزونا معرفيا حتى أن رسالتي للماجستير كانت بعنوان “المرأة النموذج” مستوحاة من التصوف.
-
المشهد الثقافي في الأردن يشكو التراجع.. كيف ترى الوضع القائم؟
إن ما يحدث الآن في الساحة الثقافية من معوقات هو نتيجة سيطرة من أسماهم “الهامشيين” على القرار الثقافي وتهميش المبدعين الحقيقيين وصعود من يتسلقون على أكتاف إبداعات الآخرين ونصوصهم وينكرونهم، لذا كثرت الأعمال السطحية التي لا تستحق حتى نشرها في بريد القراء، كما قال.
وهناك حالة من انتشار موضوعات تهبط بقيم المجتمع تغلبت على موروثنا الثقافي وتعمل على انقطاع الموروث الحضاري وسيطرة ما أطلق عليه “أفيون الهواتف” وهذا الوضع الصعب دعاني إلى مناشدة المجتمع للعودة للثقافة العربية الموروثة التي يمكن تطويرها وعدم تبني العولمة التي تقتل شخصية الإنسان وثقافته والابتعاد عن تسطيح الأفكار الأصيلة ومواقع تبث السموم وتغرس في عقول شبابنا أفكارا تنصل الإنسان من شخصيته وثقافته “كالمثلية والشرق الأوسط الجديد” وغيرهما وتحوله إلى إنسان بلا هوية.
ومن هنا دعوت إلى ثورة تصحيحية تعيد لشخصيتنا العربية ثقافتها الإسلامية، وليس صحيحا ما يعتقده بعض المثقفين من أن انقطاعه عن موروثه الثقافي يوصله للعالمية، فلماذا ترجلنا عن ماضينا؟!
ومن أجل هذه الغاية عقدت خلوة فكرية في مركز الملك عبد الله في الزرقاء مؤخرا بمشاركة خبراء من الساحة الثقافية تدارسنا خلالها الوضع القائم واتخذنا حزمة من التوصيات رفعت لوزارة الثقافة، من أبرزها عدم الترخيص لطالب الرخص الثقافية إلا إذا أصدر كتابين ومراقبة نشاطات الجمعيات الثقافية المرخصة وممارسة الرقابة الفنية على الندوات التي فتحت لمهمشي الثقافة لأن يكونوا في موقع الاختيار والتحكم، الأمر الذي أدى إلى تراجع المثقفين وأصحاب التجارب المتقدمة عن المنافسة ومقاطعتهم الفعاليات.
محاولة شجاعة
وفي حديثه للجزيرة نت علّق الناقد والشاعر راشد عيسى على تجربة الشاعر جميل أبو صبيح مؤكدا أنه اطلع على تجربة السرديات الشعرية، وأضاف “من طبيعة الشعر كأي فن آخر أنها تحتمل التجديد وضرورة التحولات في البنى الشكلية”.
ويوضح أنه بخصوص السرديات فقد حاولتْ قصيدة النثر منذ 70 عاما حتى الآن أن تنال مشروعيتها في مسألة التجنيس وتأخذ موقعها في النظرية التجنيسية لكنها لم تنل مشروعيتها حتى الآن بسبب ندرة الجيد منها، ولذلك نرى كتّابها المتميزين قليلين جدا.
أما السرديات، والحديث لراشد عيسى، فهي امتداد لقصيدة النثر ومحاولة شجاعة لتخطي الأشكال المألوفة وإذا كانت قصيدة النثر لم تحصل على اعتراف عربي وعالمي تجعلها تنافس الشعر الموزون فكيف نأمل من “السرديات” أن تنال استحقاق الاعتراف، وهل تحتاج 100 عام حتى ينتبه لها النقاد، يتساءل عيسى.
اجتهادات جائزة
ويقول عيسى إنه شخصيا ليس ضد تجديد المعيارية في القصيدة ولكن التجديد يحتاج إلى جودة نوعية مقنعة من القصائد وزمن يكفي لكي تكرّس “السرديات الشعرية” حضورها وتحوز قناعة المتلقي.
وعن سرديات أبو صبيح، يقول عيسى، إنها اجتهادات جائزة وضرورية، و”لكنني لا أراهن على أن تنال اعترافا في الأجل القريب من النقد الأدبي ولعل السبب الرئيس في ذلك هو المزاحمة الشديدة من الشعر الموزون خصوصا في ظل انتشار مهرجانات الشعر العربية التي تكرس الشعر الموزون وتعلي من شأنه بالجوائز الكبيرة”.
ويلفت عيسى لأن المستقبل مفتوح على التأمل والتجارب، ويقول إن السرديات تنال اهتمام كتاب المغرب العربي الذين يستمدون أفكار التغيير والابتكار من الشعر الفرنسي على وجه التحديد، ويردف “أستطيع القول إنها مغامرة شجاعة ومتفردة بين مجايليه، لكنه تفرد بحذر موجه للنخبة من القراء المتنورين يصعب على المتلقي العام استيعاب صور شعرية تشبه المشاهد السينمائية ويبقى رهان الحكم الأخير على الذائقة العامة”.
ويختم عيسى بأن المجددين غرباء وسينصفهم الزمن ربما بعد رحيلهم ولهذا يقول بشر بن المعتمد في صحيفته “الكاتب النابه هو الذي يستخدم الألفاظ في معان خشنة وهو الذي يكتب للخاصة فيفهمه العامة”.
سرديات عميقة المعنى
من جهته، يعتبر الناقد محمد المشايخ أمين سر رابطة الكتاب الأردنيين أن الشاعر جميل أبو صبيح من رواد قصيدة النثر في الوطن العربي ومن أوائل الذين كتبوا السرديات الشعرية، ليعبروا فيها بصدق وجمال عن وقع الوجود على وجدانهم.
ويضيف للجزيرة نت أن لدى أبو صبيح قدرة سحرية على التأليف بين الرموز والاستعارات والكنايات والتشبيهات والمجازات التي يخاطب من خلالها نخبة النقاد والقراء العرب الذين سرعان ما يكتشفون دلالاتها.
ويكمل المشايخ “أستطيع القول إن “السرديات” توازي في جمالياتها السرد النثري الذي يتجلى في القصة والرواية ولكن السرد عنده محفوف بالصور النابعة من خياله المحلق والموسيقى التي يأتلف فيها النبر والنغم والمعجم اللغوي المستمدة ألفاظه من أحدث المفردات التي اعتمدتها معاجم اللغة العربية من اللغات العالمية”.
ويرى المشايخ أن للسرديات الشعرية أثرًا على فن الشعر وليس على المشهد الشعري بعامة لقلة الذين يبدعون في مجاله، ولأنها ما زالت غريبة عن واقعنا الثقافي والذين يبدعون في مجالها يغوصون في الطلاسم أكثر مما يغوصون في الواقع، كما أن السرديات الشعرية بحاجة إلى سنوات وشعراء جدد أقرب إلى الواقع وقاعدة شعبية حتى يتم تكريسها.