قفزة كبيرة في سياستها الدفاعية.. هل تصبح اليابان رأس حربة في مواجهة أميركا للصين؟ | سياسة
واشنطن- يمثّل لقاء الرئيس جو بايدن برئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا، في البيت الأبيض الجمعة، خطوة أخرى هامة في طريق زيادة وتعميق العلاقات العسكرية والإستراتيجية بين الدولتين.
وتجيء القمة الأميركية اليابانية بعد يومين من اجتماعات (2+2) بين وزيري الدفاع والخارجية من البلدين، والتي أكد الوزراء الأربعة خلالها على أن قوة الصين المتنامية تشكل “أكبر تحدّ إستراتيجي” في منطقة المحيطين الهندي والهادي وخارجها، وتعهدوا بتعزيز الردع، وبتوسيع نطاق المعاهدة الأمنية الخاصة لتشمل كذلك الفضاء.
بيئة جيو إستراتيجية أكثر خطورة
تشهد الولايات المتحدة واليابان مرحلة جديدة في تعاونهما الأمني، حيث أعلنتا الأسبوع الأخير عن مبادرات لحماية الأقمار الصناعية اليابانية، وتزويد طوكيو بصواريخ بعيدة المدى، وتحديث قوات مشاة البحرية الأميركية الموجودة داخل اليابان لمواجهة التوسيع العسكري الصيني الشامل.
وتهدف الخطوات الجديدة إلى منح اليابان دورا أكبر في الدفاع الإقليمي، مما يدعم إستراتيجية عسكرية جديدة أصدرتها طوكيو الشهر الماضي، والتي أشارت إلى تحول واسع النطاق في القيود الصارمة التي فرضتها على عملياتها العسكرية بعد الحرب العالمية الثانية.
كما أعاد البلدان التأكيد على قرار طوكيو الحصول على مئات صواريخ توماهوك كروز الأميركية لمنح اليابان “قدرة الضربة المضادة” في استهداف البر الرئيسي الصيني وفي كوريا الشمالية بحال العدوان.
وثمة خطوة مهمة أخرى، وإن كانت مخططة منذ فترة طويلة، وهي تمركز فوج ساحلي تابع لمشاة البحرية الأميركية في أوكيناوا، أقصى جنوب اليابان، بحلول عام 2025. وسيتم تعزيزه ليصل عدده إلى 2200 عنصر، وتجهيزه بصواريخ مضادة للسفن للدفاع عن الجزر اليابانية.
وقال وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن بعد اجتماع (2+2) “ما تزال اليابان والولايات المتحدة متحدتين في قلقهما بشأن أعمال الصين المزعزعة للاستقرار. وأريد أن أؤكد من جديد التزام الولايات المتحدة الصارم بالدفاع عن اليابان بمجموعة كاملة من القدرات، بما في ذلك النووية”.
وفي حديث للجزيرة نت، اعتبرت يوكو ناكانو، مديرة برنامج القيادة الإستراتيجية بين الولايات المتحدة واليابان بمركز العلاقات السياسة والإستراتيجية بواشنطن، أن “عقد اجتماع 2+2 بعد شهر واحد من إعلان اليابان عن إستراتيجياتها الجديدة للأمن القومي والدفاع، له دلالاته، خاصة ان الإستراتيجية أوجزت، من بين أمور أخرى، قضية اكتساب قدرات الضربات المضادة وخطط مضاعفة الإنفاق الدفاعي تقريبا على مدى السنوات الخمس المقبلة، وهي قفزة كبيرة في سياسة اليابان الدفاعية مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية”.
من أوكرانيا إلى تايوان
وخلال مناورات عسكرية في أغسطس/آب الماضي أجريت بهدف تخويف تايوان، أطلقت الصين صواريخ سقطت في مياه تعتبر جزءا من المنطقة الاقتصادية الخالصة لليابان، وهو ما سبب توترا كبيرا بين النخبة العسكرية اليابانية.
من ناحية أخرى، أثار غزو روسيا لأوكرانيا قلق اليابانيين، نظرا للمخاوف بشأن العلاقات الوثيقة بين بكين وموسكو، فضلا عن النزاع الطويل الأمد بين طوكيو وموسكو حول جزر الكوريل الشمالية التي استولت عليها القوات السوفياتية نهاية الحرب العالمية الثانية. ومن ناحية ثالثة، اختبرت كوريا الشمالية مؤخرا صاروخا باليستيا فوق اليابان لأول مرة منذ عام 2017.
وتأتي خطوات التنسيق العسكري بين واشنطن وطوكيو بعد أقل من شهر من إصدار الإستراتيجية العسكرية اليابانية الجديدة التي وعدت بزيادة الإنفاق العسكري إلى 2% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول السنة المالية 2027.
جهود تطويق الصين
وتعد الصحوة الدفاعية اليابانية جزءا من تحول إستراتيجي واسع النطاق جنوب شرق آسيا، الأشهر الـ 18 الماضية. ودفعت إدارة بايدن باتجاه مجموعات متداخلة من التحالفات والشراكات القديمة والجديدة في المنطقة بأهداف مختلفة ودرجات متعددة من التعاون، اعتمادا على “التحالف الرباعي” الذي يضم اليابان وأستراليا والهند.
كما أسست واشنطن “تحالف “أوكوس” الذي تعمل من خلاله مع المملكة المتحدة لتزويد أستراليا بغواصات تشتغل بالطاقة النووية، وتشمل تلك المبادرة التعاون بشأن مجموعة من التكنولوجيات العسكرية المتقدمة الأخرى.
وفي حال أنفقت اليابان 2% من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع، فقد يكون لديها ثالث أكبر ميزانية عسكرية في العالم. والقواعد اليابانية ضرورية أيضا للنجاح الأميركي في صراع المحيط الهادي.
وفي حديث للجزيرة نت، أشار خبير الشؤون الآسيوية بمجلس العلاقات الخارجية الأميركي جوشوا كورلانتزيك إلى أن “هذه التطورات مجرد علامة على شراكة دفاعية أوثق بين الولايات المتحدة واليابان، وسط جهود الأخيرة (التي لا تحظى بالضرورة بشعبية لدى شعبها) لتعزيز إنفاقها الدفاعي ولتصبح قوة دفاعية أكبر بكثير في المحيط الهادي”.
وقال كورلانتزيك إن الولايات المتحدة تدعم هذا التوجه، وتتخذ كل التدابير الممكنة لتشجيع اليابان على لعب دور دفاعي أكبر في المحيط الهادي.
رد فعل الصين المتوقع
وتصف إستراتيجية الأمن القومي اليابانية، التي صدرت الشهر الماضي، الصين بأنها “التحدي الإستراتيجي الأعظم”. وجاء ذلك في أعقاب صدور إستراتيجية الأمن القومي الأميركي، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، والتي نصت أيضا على أن الصين “تمثل التحدي الجيوسياسي الأكثر أهمية لأميركا”. وفي الحالتين، عبرت الصين عن رفضها لهذه التصنيفات.
من جهتها، رأت صون يون، خبيرة العلاقات الأميركية مع دول شرق آسيا بمركز “ستيمسون” بواشنطن، أن هذه التطورات لا تمثل حدثا مفاجئا لأحد.
وقالت صون للجزيرة نت إن هذا لا يمثل مفاجأة “لأن التحالف الأمني بين الولايات المتحدة واليابان ينظر منذ فترة طويلة إلى الصين على أنها التحدي للأمن الإقليمي والنظام الدولي الحالي”.
ومع تضاعف جهود واشنطن لتطويق الصين بسلسة تحالفات عسكرية، يعود كورلانتزيك فيقول “رد فعل الصين من المرجح أن يكون سلبيا بشدة، لأنهم يشعرون أن الولايات المتحدة وحلفاءها وشركاءها يعززون التعاون، وهو ما يفعلونه، ويرجع ذلك جزئيا إلى سلوك الصين الإقليمي العدواني للغاية”.
ومن جانبها تقول الخبيرة صون “لا أعتقد أن الأمور ستحدث بين عشية وضحاها، لكن الاتجاه العام واضح. ستدعو الصين التحالف الأمني لعدم استهداف أي طرف ثالث، لكن هذا القطار غادر المحطة منذ فترة طويلة”.