آثار حارة المغاربة تأبى الاندثار.. هذا ما كشفته حفريات إسرائيلية في ساحة البراق الملاصقة للأقصى | القدس
مراسلو الجزيرة نت
القدس المحتلة- قلّبت الحفريات الإسرائيلية الجديدة في ساحة البراق الملاصقة للمسجد الأقصى مواجع العم عبد اللطيف سيد، وأشعلت حنينه لمنزل احتضن على مدار عقدين أحلامه وذكريات طفولته وشبابه.
فمجرد إلقائه نظرة سريعة على صور الحفرية الإسرائيلية التي تنفذ منذ أيام في ساحة البراق، سارع سيّد لرسم حارة المغاربة التي ولد وترعرع بها بشكل تفصيلي ثم أشار إلى المربع الذي نبشته آليات الحفر الثقيلة وقال: الحفرية كشفت عن أساسات 13 منزلا وبقالة.
ولد عبد اللطيف عام 1947 في حارة المغاربة لأم مغربية وأب فلسطيني، ووطئت قدم جده لأمه أرض القدس أول مرة عام 1915 قادما من مدينة العيون، وكان كلما حاول العودة إلى المغرب ألمَّ به المرض وأقعده حتى قرر الزواج والاستقرار في حي المغاربة الذي كان يبعد أمتارا عن الحائط الغربي للمسجد الأقصى.
ترعرع في الحي -الذي كان الضحية الأولى للاحتلال الإسرائيلي في حرب عام 1967 حيث سويت منازله بالأرض- وما زال يذكر أن 150 عائلة كانت تعيش فيه تفصل بين منازلها ممرات ضيقة.
لا شيء يمضي وينتهي
وكما لم تغادر ذاكرته تفاصيل الحياة اليومية التي عاشها في الحي، لم تمّح منها أسماء العائلات والأفران والبقالات التي كانت تنبض بالحياة على مدار عقود.
وفي حديثه للجزيرة نت، تطرق إلى هدم حارة المغاربة على 3 مراحل خلال أسبوع، وشملت المرحلة الأولى المنازل القريبة من حائط البراق وكان منزل عائلته من بينها كونه لا يبعد سوى 6 أمتار عنه.
واكتملت عملية الهدم قبل أن تنقذ الكثير من العائلات شيئا من محتويات منازلها، وهو ما دفع ببعضهم إلى عرض مبالغ نقدية على سائقي الجرافات الذين أزالوا الركام ليزيلوه ببطء وحذر حتى يعثر الأهالي على القليل مما اندثر بقوة الاحتلال.
الباحث في تاريخ القدس إيهاب الجلاد توجه لمعاينة الحفرية الجديدة وما كشفت عنه، وأكد للجزيرة نت أنها تقع منتصف الساحة تقريبا وظهرت من خلالها أساسات منازل حارة المغاربة المدمرة عام 1967.
وتمكن الجلاد من خلال الفتحات الصغيرة من رؤية غرفة دُهنت جدرانها بالأزرق وهو ما كان رائجا خلال الفترة العثمانية وما بعدها، إذ كان السكان يطلون جدران المنازل بمادة “الشيد” للحفاظ عليها من الرطوبة، وهو ما أكده المسن عبد اللطيف الذي قال إن السكان كانوا يضيفون قديما مسحوق “النيلة الزرقاء” إلى الشيد المنقوع بالماء لساعات قبل الشروع بطلاء الجدران.
وبالإضافة إلى الدهان الذي يعود للقرن العشرين، استدّل الجلاد على الحجارة التي تعود للحقبة العثمانية إذ “بنيت حارة المغاربة في زمن الملك الأفضل ابن القائد صلاح الدين الأيوبي وبفعل الزلازل التي هدمت مباني القدس رُممت مباني حارة المغاربة لاحقا في العهدين المملوكي والعثماني.. تمكنتُ من معاينة أقواس قديمة تعود لما قبل البناء الأيوبي أيضا”.
الهدف: إخفاء الآثار مجددا
وتطرق الباحث المقدسي إلى تجاهل العمل في الحفرية الحالية وفقا لقانون الآثار الإسرائيلي الذي يصنف كل ما هو قبل عام 1700 بالأثري.
ورغم أن حارة المغاربة بنيت عام 1200، وتصنف مبانيها وفقا للقانون الإسرائيلي نفسه بالأثرية، وتعتبر إزالتها عام 1967 غير قانونية، فقد تم إدخال آليات حفر ثقيلة إلى ساحة البراق قبل أيام.
وهذا يعني وفقا للجلاد أن الجهات القائمة على الحفرية غير معنية بأي توثيق أثري ولا بالحفاظ على ما تم كشفه، وجلّ اهتمامهم ينصب الآن على إنهاء العمل بالحفرية عبر طمر أساسات المنازل وإزالة أثرها مرة أخرى.
خلال زيارته للمكان شاهد الدكتور إيهاب الجلاد موظفي البلدية وعمال ينفذون أعمال الحفر ويتابع عملهم مراقب آثار للتعامل مع أي كنوز أثرية قد تظهر خلال الحفريات، إذ تم العثور قبل مدة على نقود تعود للعصر الفاطمي خبأها تاجر فاطمي في منطقة ساحة المغاربة.
وحول السبب الذي تنفذ الحفرية الجديدة لأجله، رجّح الجلاد أن تكون حفرية طارئة لتمديد كوابل أو إصلاح أنبوب مياه معطل، لأن المكان يقع ضمن ساحة مركزية للاحتفالات والفعاليات الإسرائيلية وعادة ما تؤدي مجموعات من الشرطة والجيش قسم المهنة فيه.
يُذكر أن ساحة البراق -التي لم تتوقف أعمال تهويدها وتغيير معالمها- تحولت بعد هدم حارة المغاربة عام 1967 إلى ساحة يؤدي فيها اليهود صلواتهم وطقوسهم الدينية عند الحائط الغربي للمسجد الأقصى المبارك.