شعر المشاهدون أنه عالم حقيقي.. 3 تقنيات استخدمها صناع مسلسل “أندور” | فن
يصعب على كثير من المشاهدين التفاعل مع مسلسلات وأفلام الخيال العلمي والفانتازيا، لأنهم يشعرون بالانفصال عن واقع الفيلم بسبب التفاصيل التي تبدو غير واقعية داخل سياق الحكاية الفانتازية، رغم أن القصة يمكن أن تكون مكتوبة بإحكام.
لم يحدث هذا الانفصال مع حلقات “مسلسل أندور” (Andor 2022) بل على العكس، تلقى الجمهور المسلسل الأخير من سلسلة حرب النجوم بترحاب كبير، ربما بسبب النوستالجيا القديمة والذكريات التي يحملها الكثير من المشاهدين حول العالم لهذه السلسلة.
وفاق العمل التوقعات، ووصفه بعض النقاد وصناع السينما بأنه أفضل أعمال سلسلة “حرب النجوم” (Star Wars)، بسبب التقنيات التي استخدمها المخرج والمصور للوصول إلى درجة كبيرة من الواقعية والإنسانية، بعكس أعمال حرب النجوم الأخرى المتخمة بسفن الفضاء واللقطات غير الواقعية. فيما يلي نتعرف بالتفصيل على هذه التقنيات التي استخدمها المخرج والمصور لنشعر أن المسلسل إنساني أصيل.
صناع الأفلام ليسوا رواة قصص فحسب
على عكس عروض حرب النجوم الأخرى التي تبدأ بلقطات تأسيسية واسعة، أسس مخرج “أندور” المشاهد الافتتاحية في الحلقات بإعطاء أولوية للعناصر الحقيقية الملموسة التي تتواصل مع المشاهد مباشرة وتضعه داخل عالم الفيلم، سواء كانت الشخصيات تدير حوارا أثناء تناول مشروب ما أو شخصية تمشي تحت المطر أو حتى عن طريق التركيز على التفاصيل الدقيقة لموقع حقيقي، لكن يبقى المشهد معدا ليبقينا داخل مكان وحياة موجودة بالفعل وليس مجرد عالم فانتازي يخص الحكاية.
عملية بناء عالم سردي كامل يشعر المتفرج أنه حقيقي مهارة مهمة يجب أن يمتلكها صانعو الأفلام، وهو ليس أمرا سهلا، لكنه يتطلب الكثير من التخطيط والتقنيات الصعبة، خاصة إذا كان المخرج يبني عالما كاملا من الصفر مثل كوكب غريب.
لكن يبقى السؤال هو كيف يبني المخرج عالما كاملا خاصا به ويجعله عالما مقبولا من المتفرجين حتى يشعرون بأنهم جزء منه أثناء مشاهدة الفيلم؟
يبني المخرج عالمه من خلال بحثه وفكرته الشخصية عن نوع العالم الذي يرغب به، أين يوجد؟ وفي أي زمن يكون؟ هل يشبه الأرض أم لا؟ كما يجب أن يتخيل بعض الجوانب الثقافية وشكل السلطة وماذا يحدث للخارجين عن القانون؟
كل هذه الأسئلة وغيرها هي طريقة بناء العالم وإدراك جوانبه المختلفة حياتيا وتاريخيا، وكلما كان المخرج بارعا في بناء عالمه تماهى معه الجمهور أكثر.
التفاصيل الصغيرة
يركز المخرج في “أندور” على التفاصيل الدقيقة، حيث نرى المباني السكنية والروبوتات المحطمة والأمهات المحبطات يتناولن العشاء مع أطفالهن، نجد تأثير البيروقراطية في العمل تماما كما يحدث في الواقع، من خلال نسيج القصة نشعر بصراعات الشخصيات الرئيسية والثانوية مما يجعل المتفرج يراها كما لو كانت قصة صغيرة تحدث في مكان ما من هذا الكون الكبير وليست مجرد قصة تدور على متن سفينة فضاء تائهة بين المجرات.
للصوت أهمية كبيرة جدا في خلق العالم الواقعي، في مسلسل أندور يبدو الصوت عاملا مهما في واقعية العمل وإنسانيته. عندما تلمس الشخصيات شيء ما في الغرفة أو تصب شرابا في كوب يظهر الصوت واضحا كأنه يخدم غرضا في الحكاية الأكبر. الحياة في الواقع مليئة بالأصوات لكن في أغلب عروض السينما والتلفزيون يتم كتم هذه الأصوات وهو ما لم يحدث في أندور.
الواقعية والأصالة
من خلال اختيار الذهاب إلى العالم الحقيقي وضع المخرج ممثليه في غابات حقيقية ومباني مختلفة، إذ نجد أماكن العمل القذرة وجلسات المكاتب وشجارات الزملاء، مما جعل المسلسل ممتعا وإنسانيا خاصة مع اختيار مواقع تصوير يظهر فيها الضوء الطبيعي والعناصر الواقعية التي يشاهدها المتفرج باستمرار في حياته اليومية.
ويقول توني غيلوري منتج مسلسل أندور “Tony Gilroy” “إن عروض حرب النجوم الأخرى استخدمت تقنية باسم أو “الحجم” The Volume، وهي تقنية مكلفة للغاية تغير قواعد التصوير وتسمح بإنشاء مناظر طبيعية من عالم آخر وتصميمات داخلية شبيهة بالعوالم الفضائية، عن طريق إستوديو دائري يتكون من لوحات متجاورة والسقف أيضا مصنوع بالطريقة نفسها. ولم يختر صناع “أندور” استخدام هذه التقنية لذا خرج “العمل مشبعا بأصالة لا يمكن تقليدها بالتكنولوجيا”.
ليس فقط الواقعية والأصالة، ولكن القصص الجانبية كان لها دور كبير، حيث إن هناك قصة واحدة رئيسية من الممتع متابعتها لكن إلى جوارها هناك قصص أخرى متفرعة من الصراع الأساسي وكلها قصص مثيرة عمل عليها صناع العمل باهتمام بقدر انشغالهم بالقصة الرئيسية، لتجتمع كل تلك المكائد في ختام كل حلقة وتجعل المتفرج يواصل للحلقة التالية دون ملل.