الشاعرة الأردنية أمينة العدوان: قصائدي تنير درب الحرية وتنتصر للمقهورين | ثقافة
عمّان – تُعرف الشاعرة أمينة ماجد العدوان بمواقفها المناصرة للإنسان المظلوم، خاصة أن أشعارها المنثورة نموذج للثورة المتفجرة يثير الحماس لإنقاذ وضع عربي عام وإرادة تائهة ومغيبة عن مواجهة الأخطار والدفاع عن قضايا الأمة ومصالحها.
وعلى وريقات أكثر من 51 ديوانا ودراسة وقراءة نقدية لا نلمس إلا ثورة متفجرة تعايش لحظات المكابدة لوطننا العربي عامة وشعب فلسطين خاصة، الذي أفردت لمعاناته معظم نتاجها الإبداعي، وفيه تقول:
وطني تدوسه أقدام غريبة
تحيطه الأسلاك الشائكة
لا يمكن أن يتحرك بدون هذا الجندي
لا تعرف أين يضع يديه
والديوان “عرين الأسود” الصادر حديثا عن دار أزمنة في عمّان، يقع في 88 صفحة يضم ثلاث قصائد هي “عرين الأسود” و”شيرين” و”فلسطين”، ترجمت خلاله الكاتبة عشقها لفلسطين ومناضليها ميدانيا وإعلاميا بلغة نابعة من وجدان مشبع بالحلم القادم.
وأثناء تجوال في مضمون “عرين الأسود”، كما نتاجها الشعري عامة، تعثر على ما يطلقون عليه “الرعشة الشعرية” والابتعاد عن لغة وعرة على القارئ وقدرة على مغازلة الكلمات وتسخيرها لخدمة الإنسان المظلوم والحرية، وهما من أبرز أهداف الشاعرة.
وإذا كان الشعر يعكس واقع حياتنا ويعبر عن إنسانيتنا فقد جاء مشوار أمينة العدوان أشبه بسيمفونية لغوية وأدبية مزينة بالكثير من التشبيهات البلاغية على اختلاف أشكالها، صاغتها تجربة حياتية عميقة.
وقالت العدوان للجزيرة نت إنها تنحاز بقوة الموقف والكلمة للمناضلين في حارتي “الياسمينة والعطعوط” في نابلس ورفقاء جنين ومدن وقرى ومخيمات الضفة الغربية المحتلة الذين جمعهم قسم واحد وعهد واحد، وما يجري هناك من اغتيالات ومصادرة وهدم بيوت وسرقة أراض تُبنى عليها مستوطنة للغرباء.
قلمي ينتصر للحرية
وترى الشاعرة أن قصائدها تعبر عن واقع المقهورين والمهمشين وطهارة الأرض وتوقها للحرية والتغني برجال الثورة وحرارة الدموع التي تتساقط من عيون أمهات الشهداء وحكايات البيوت المهدمة، وتقول “قلمي مناضل من أجل أن تنتصر الحرية وإحقاق الحق في الأرض العربية”.
وقالت إن قصائدها المنثورة تنير درب الحرية والعدالة وتدين بالكلمة الثائرة الظلم والمؤامرات الخارجية على وطننا ومقدراته، مضيفة “أريد وطنا عربيا محصنا بمثقفيه وشعرائه وسياسييه لينهض ويدافع عن قضاياه”.
وتضيف أنه “يجب على شعرائنا وأنا بطبيعة الحال في الخندق الأول تسخير جهودهم للنهوض بأمتنا وإخراجها من حالة التراجع بقصائد وطنية دافعة إلى الأمام، كما حدث خلال تحرير جنوب لبنان وعبور الجيش المصري وتحرير سيناء ونضالات الشعب الفلسطيني بشبابه ونسائه، وحتى أطفاله في مواجهة مخططات الاحتلال، أنا مفتونة بالأم الفلسطينية التي أطلقت صرختها: سنبقى هنا ولن نرحل وسنودع أولادنا بالزغاريد”.
الشعراء والأبواب المغلقة
وتضيف “كشاعرة أقول لنعبر بقصائدنا نحو الوطن السليب ونبرز بالكلمة المغناة والقلم نضالات شعبنا الفلسطيني ونرفض إغلاق ما أسمته الأبواب تجاه فلسطين ونساعد قدر المستطاع كما فعلت بعض الدول في مساعدة الثورة الجزائرية وفيتنام، ولا يجوز كمثقفين ننتمي للعروبة أن نتفرج على مجازر وممارسات الاحتلال في الضفة الغربية المحتلة وحصار غزة العزة، لنفضحهم بالكلمة والصورة”، مشيرة بذلك إلى رفع أعلام فلسطين في مونديال قطر ورفض جمهوره التعامل مع إعلام إسرائيل وما فعله فريق رياضي مصري على منصة التتويج قبل أيام.
وترى الشاعرة أمينة العدوان التي شغلت من قبل منصب رئيس تحرير مجلة أفكار التابعة لوزارة الثقافة الأردنية أن “القصيدة رؤية وتمرد على الواقع” ودورها إيقاظ المشاعر القومية وتغيير الواقع إلى الأفضل، وعلينا كشعراء طليعيين معالجة السلبيات في وطننا العربي الكبير بالكلمة الثائرة في مواجهة القبح الخارجي الذي يحول دون نهضتنا الشاملة.
وقالت: “أنا أدعم وأساند قوى التحرير، قوى بناء الوطن العربي، وعلى المثقف عامة أن يقول كلمته مهما كلّف الأمر”، مؤكدة أن المثقفين العرب جيدون ووطنيون وقادرون على القيام بواجبهم”.
أحفظ إرث والدي
وحول الإسقاطات السياسية في بعض قصائدها مثل قولها “أقيم في زنزانة ولا أقيم في وطني”، قالت “أكاد أجزم أن نتاجي الشعري بمجمله يحمل إسقاطات سياسية هدفها التوعية بما يجري والتحذير من القادم، فقد نذرت قلمي لخدمة قضايا أمتنا العربية عامة والشعب الفلسطيني بخاصة وكشف جرائم الاحتلال”.
ووفق أمينة العدوان فلا حلم لديها كشاعرة سوى تحرير فلسطين وستبقى تناضل فكريا لتحقيق هذه الغاية النبيلة، فهي كما تقول تحمل إرث والدها المرحوم ماجد العدوان الذي رفض وعد بلفور وبيع فلسطين والمكاسب التي عرضها البريطانيون ثمنا لسكوته “أنا بنت أبوي”.
وحول تأثير دراسة الفلسفة على مشوارها الإبداعي، قالت “في بداية مشواري كانت قراءاتي فلسفية كسؤال الوجود لاكتشافه والموت والحياة والولادة والفقدان… الأب والأم والكتاب كبار نهضوا بأوطانهم، الفلسفة كانت جزءا من تساؤلات، ولمّا وقعت نكسة يونيو/حزيران 1967 تحولت من الفلسفة ونظرياتها إلى الاهتمام بواقعنا بمساهمة مجموعة من صديقات الجامعة اللاتي عمقن هذا الاهتمام، كنت وصاحباتي نتهاوش في حواراتنا بشأن قضايا عربية”.
هذا الاهتمام ضاعف من ذخيرة تجربتي الشعرية حيث تبنيت قضية شعبنا الفلسطيني كديوان “انتفاضة القدس..الربيع يغزو” و”أجراس العودة تقرع” و”أمام الحاجز” و”دمه ليس أزرق” و”نفق الحرية”، وكلها تعري المحتل وتحرض على مقاتلته وتستنهض الهمم والدعوة لعدم ترك مجاهدي فلسطين وحدهم في المواجهة .
المقاومة بوصلة قصيدتي
وحول رسالتها من ديوان “عرين الأسود”، إذ تقول فيه:
خفت صوت الكذب
وصوت عرين الأسود علا علا
لم أعد أسمع إلا صوته
أين ذهب بسمعي
أضاعه الزئير
قالت إن الديوان “يحمل انحيازي للمقاومة ورؤيتي لكفاح الشعب الفلسطيني البطل، فالمقاومة حياة وبعث وانبعاث جديد، المقاومة بوصلة قصيدتي، وأرى أن المجموعات المقاتلة هي أمل التحرير وإذا لم يقاوموا ربما تنتهي أعدل قضية في التاريخ المعاصر، البندقية درب التحرير، ولا وطن دون تضحيات”، حسب رأيها.
وبعد أن أكدت أن الرصاصة لن تنتصر على بسمة أطفال فلسطين، قالت “أستذكر ضحية الحق والحقيقة الشهيدة شيرين أبو عاقلة التي اغتالتها يد الغدر وهي تؤدي واجبها الصحفي في المواقع المتقدمة، مدافعة عن شعبها وكاشفة جرائم المحتل، وعلى جرائمه التي أراد دفنها سلّطت الضوء، ووطني بعث ولم يندثر، وأوقع قتيلا رصاص القناص”.
تراثنا غني والنقد مدارس
وترى الشاعرة والناقدة الأردنية أن محاسبة أي نص عربي وفق نظرية غربية لا تتفق وبيئتنا، وتؤكد أن النقد مدارس، ولكل مرحلة مدرستها سواء أكانت انطباعية أم واقعية غربية أم غير ذلك، ولنا تراثنا الغني.
وواصلت حديثها بالقول إن “الأدباء العرب على اختلاف مشاربهم أو أطيافهم التزموا بتصوير واقعنا، وشخصيا عرفت فلسطين من خلال قصائد الراحل محمود درويش الذي تأثر بلا شك بالاتجاهات الجديدة في حركة الشعر العالمية، لكنه جدّد في صوره الشعرية وأبدع، كقوله: كانت تسمى فلسطين والآن اسمها فلسطين”.
أو كما جاء في قصيدته “عابرون في كلام عابر”، بتصرف:
أيها المارون بين الكلمات العابرة منكم السيف ومنا دمنا
خذوا حصتكم من دمنا وانصرفوا
أخرجوا من أرضنا من بحرنا من دمنا وانصرفوا
كدسوا أوهامكم في حفرة وانصرفوا
علينا أن نحرس ورد الشهداء
وتتساءل الشاعرة “هل هناك أجمل وأصدق من هذا التعبير؟ فلا تقل لي نظريات نقدية غربية”.
تيار مقاوم
وعلى صعيد متصل، يرى الناقد والكاتب محمد سلام جميعان أن التجربة الحياتية الشخصية تمتزج بالتجربة الفكرية للشاعرة أمينة العدوان، فظلت في مجموعاتها الشعرية قابضة على روح التيار المقاوم وانتصرت في قصائدها للصمود والمقاومة ومزجت في إصداراتها بين جغرافية الفلسطيني وتاريخه المقاوم للظلم والاحتلال والتهجير، وكأن عراقة البيئة العشائرية التي نبتت فيها قد ألهمتها فروسية القبيلة في التحدي والأنفة.
ولهذا التزمت “بروح المقاومة في أنساقها ومضامينها الشعرية في دواوينها كافة منذ ستينيات القرن المنصرم حتى هذه اللحظة التاريخية، فالنبض المقاوم هو الثيمة التي تمركزت فيها شخصيتها الوطنية ذاتا وإبداعا أدبيا”.
اتجاهات وجدانية
وأضاف جميعان للجزيرة نت أن “أمينة العدوان صاحبة رسالة قومية وهي من أبرز رائدات الأدب المعاصر في الأردن خاصة والوطن العربي عامة… استطاعت تكريس ذاتها الإبداعية ومنجزها الثقافي باقتدار فيما حمل صوتها الشعري رسالة الوعي التنويري، فهي من مؤسسي رابطة الكتاب الأردنيين إيمانا منها بأن الوعي الثقافي أحد الأعمدة النهضوية… فحلمها بنهضة ثقافية حفزها إلى ترجمة فكرة إصدار مجلة ثقافية متخصصة في الأدب، فكان لها الدور الأبرز في تصدر رئاسة تحرير مجلتي ” أفكار” و”صوت الجيل” اللتين تصدرهما وزارة الثقافة وطالبت الجهات الحكومية المسؤولة بإتاحة ” التفرغ الإبداعي” للمثقفين.
ويرى جميعان أن غزارة إنتاجها الأدبي تكشف عن اتجاهات وجدانية تتمركز حول الحب والشجاعة والحزن الأنيق فقد تأصل الحزن في أعماقها وانساب في سطورها الشعرية بعد فقدها لإخوتها الذين خطفهم الموت وحظي منجزها الشعري بالتفاتات نقدية أضاءت تجربتها ولعل المقطع التالي يدل على نبضها المنتمي بإصرار إلى الجرح الفلسطيني
أنا فلسطين
الفتاة الشابة الجميلة التي تقف شامخة بين الغيوم والدخان
وغبار البيوت المهدمة
أرادها أن تتلف نسيج ثوبي..
إلا أنني ما زلت بثوب بلادي أنا النسيج
خصوصية وشكل تجريبي
من جهته، يرى الشاعر والصحفي عمر أبو الهيجاء أن القارئ لتجربة الشاعرة أمينة العدوان يلاحظ ثمة خصوصية وسمات ميزتها عن غيرها من الشاعرات لأنها أخذت شكلا تجريبيا تمثل بـ” قصيدة النثر” في معظم أعمالها الشعرية، بحيث امتازت بقوة العبارة التي عاينت فيها الواقع المعيش وانتصرت للقضايا الإنسانية محليا وعربيا.
وحسب رأي أبو الهيجاء فإن الشاعرة اقتربت بلغتها السلسة والأكثر جدية والتصقت بالمعطى اليومي من محيطها بلغتها العالية الفنية وقوة التعبير والتمرد، مصورة الواقع كما هو دون تجميل أو بهرجة، محاولة رسم رؤاها الجمالية من خلال عنصر مفارقة في قفلات قصائدها في عالم مصاب بالتشظي والانهيار.
وقال أبو الهيجاء للجزيرة نت إن الشاعرة أمينة العدوان أبدعت عبر مسيرتها الإبداعية باشتغالها على الصورة الشعرية الأكثر حداثية، لتواكب تطور القصيدة المنثورة من حيث التراكيب اللغوية والتكثيف والانزياح مما منح أعمالها التميز والإحساس الأكثر صدقا في معاينة الحياة وإرهاصاتها.
وختم حديثه بالقول إن هذا التجسيد والتصوير الشعري للحياة وتشخيصها من حيث رسالتها الشعرية الصادقة جعل الناقد والباحث يمعن كثيرا بدراسة أشعارها، لقوة بيانها وعملها على فلسفة القول الشعري، مانحة قصائدها بعدا معرفيا وثقافيا وكذلك إمعانها في التفاصيل الدقيقة في المعنى والمبنى وقوة الإيقاع الذي يتماشى مع إيقاع روح الحياة ممّا جعلها شاعرة مختلفة ومتميزة في المشهد الشعري العربي.