Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
خبر عاجل

كيف تنعش السينما صناعة السياحة في العالم؟ | آراء


يسأل الصبي هاري بوتر أحد العاملين في محطة كنغز كروس للقطارات في لندن عن رصيف رقمه “3/4 9” فيشيح الرجل بوجهه عنه ظنا أنه يسخر منه. وبينما يمضي الصبي في طريقه، يتناهى لسمعه سيدة تذكر اسم الرصيف نفسه فيلحق بها ويجد ما لا تصدقه عيناها، صبية في مثل عمره تقريبا يدخلون إلى حائط بين رصيفين 9 و10.

يسأل السيدة إن كان يمكن أن يدخل مثلهم عبر الحائط ليصل إلى ذلك الرصيف فتشجعه على ذلك. يسرع هاري بوتر الخطى ليدخل في الحائط قبل أن يجد نفسه في الرصيف الذي يقصده وهو مكان خيالي ساحر وأمامه “قطار هوجورتس السريع” الذي يبحث عنه في فيلم من سلسلة هاري بوتر الشهيرة والتي امتدت لـ10 سنوات من 2001 وحتى 2011 والمأخوذة عن روايات الكاتبة البريطانية جي كي رولنغ.

بلد مثل نيوزيلندا يراهن كل عام على أعداد ضخمة من السائحين الذين يأتون خصيصا ليعايشوا أجواء فيلم “سيد الخواتم”، وهو الأمر الذي تعزز بعد أن فاز الفيلم بجوائز أوسكار

جسدت محطة كنغز كروس في لندن هذا المشهد واقعا على ركن بأحد أرصفتها الذي صنعته خصيصا ليحاكي المشهد السينمائي الذي تم تصويره فيها. ويصطف السائحون من الكبار والصغار بأعداد كبيرة ليلتقطوا الصور التذكارية مع عربة الحقائب التي تخترق الجدار.

بعدها يجد الزائرون أنفسهم أمام محل كامل وسط المحطة الكبيرة باسم هاري بوتر يبيع الهدايا التذكارية من ملابس ومقتنيات عليها صور وشعارات فيلم هاري بوتر. وهو مشهد يجسد كيف يتحول مشهد في فيلم سينمائي إلى معلم سياحي يجذب آلاف الزوار ولو كان ركنا صغيرا في محطة قطارات كبيرة ومزدحمة.

سائحين يلتقطان صور مع محطة كنغز كروس للقطارات في لندن عن رصيف رقمه 4\3 9 الذي استخدم في سلسلة روايات هاري بوتر
السائحون من الكبار والصغار يصطفون بأعداد كبيرة ليلتقطوا الصور التذكارية مع عربة الحقائب التي تخترق الجدار في فيلم هاري بوتر (مواقع التواصل الاجتماعي)

المحطة هي إحدى الوجهات السياحية التي يقصدها الزائرون إضافة لوجهات أخرى مثل جولة هاري بوتر السياحية التي تنظمها شركات السياحة في العاصمة الأسكتلندية أدنبره والتي تحولت إلى واحدة من أفضل 5 وجهات يقصدها السياح الذي يأتون للمدينة ليعايشوا خبرة الكاتبة التي ألهمتها المدينة بهذه القصة الشهيرة، فيجلسون على المقاهي نفسها التي كانت تكتب بها ويسيرون في الأزقة وسط المباني القديمة وكأنهم يعيشون داخل الفيلم نفسه، يساعدهم على ذلك عراقة المدينة التاريخية التي صنفتها اليونسكو ضمن قائمة التراث العالمي.

في شمال غرب أدنبره لا يزال القطار البخاري الذي ظهر في مشهد الفيلم أعلاه يعمل ليقل السائحين في رحلة تبلغ نحو 130 كيلومترا بين التلال الخضراء والبحيرات والجبال في موقع ثالث يحاكي مشاهد أفلام هاري بوتر.

أي أننا أمام 3 مدن في دولة واحدة يقصد كلا منها آلاف الزائرين سنويا المغرمين بالولوج إلى عالم الخيال السينمائي الذي شاهدوه على الشاشة الفضية بعد أن حوّلت السينما المعالم الأثرية إلى قصة بصرية يسعى الزائرون لاكتشافها بأنفسهم.

هذا، بالإضافة لمواقع أخرى مرتبطة بنفس الفيلم لا يتسع المقام لحصرها مثل “قلعة ألنويك” في إنجلترا التي تم فيها تصوير مشاهد مدرسة “هوغوورتس” في الفيلم. ونحن هنا لا نتحدث عن حالة استثنائية، بل عن ظاهرة معروفة في صناعة السياحة وهي أن عشرات الملايين من السائحين يحددون وجهة سفرهم بناء على فيلم سينمائي شاهدوه أو برنامج تلفزيوني.

تجارب السياحة السينمائية

لا يعني هذا أن السينما أصبحت وسيطا دعائيا للسياحة بشكل مباشر، وإنما يعني أن السياحة، ككثير من القطاعات الأخرى، يمكن أن تستثمر النجاح السينمائي في التنمية المحلية. فبلد مثل نيوزيلندا يراهن كل عام على أعداد ضخمة من السائحين الذين يأتون خصيصا ليعايشوا أجواء فيلم “سيد الخواتم”. وهو الأمر الذي تعزز بعد أن فاز الفيلم بجوائز أوسكار.

ونيوزيلندا هي مثال بارز في هذا الصدد لأنها استطاعت جني مليارات الدولارات من عائدات السياحة بسبب السينما. التجربة ذاتها خاضتها دولة آيسلندا مع السائحين الذين توافدوا عليها لزيارة مواقع تصوير فيلم “لعبة العروش” (Game of Thrones).

هناك مجال آخر للسياحة السينمائية يتعلق بالمهرجانات السينمائية السنوية. وهذه المهرجانات عادة ما تكون نخبوية لكن تكثيفها في مدينة واحدة عبر أشهر متفرقة كما يحدث في مدينة “كان” الفرنسية يضمن لها سمعة وحضورا سياحيا كبيرا على مدار العام.

وذلك لأن المدينة تستضيف بالإضافة لمهرجان كان السينمائي الدولي الشهير سوقا سنويا آخر للأفلام الوثائقية باسم “مب دوك” (MIPDOC) وسوقا ثالثا للبرامج التلفزيونية باسم “مب تي في” (MIPTV)، وهي أحداث دولية يقصدها آلاف من الزائرين كل عام واستطاعت أن تحوّل المدينة الساحلية الفرنسية إلى عاصمة من العواصم الفنية المهمة في العالم لكل ما يتعلق بإنتاج الأفلام وبرامج التلفزيون.

عربيا، تحاول بعض الدول أن تحذو حذو نيوزيلندا مثل تونس التي أعلنت العام الماضي عن تدشين “تونس وجهتنا” والذي يشمل جولة تقتفي أثر المواقع التي تم فيها تصوير أفلام عالمية شهيرة مثل أفلام “حرب النجوم” (Star Wars) و”لي” (Le) وغيرها من الأفلام، ويشمل المسار 12 موقعا موزعا على 9 جهات من شمال البلاد إلى جنوبها، وهي مدينة تونس والمنستير والقيروان ونفطة ودقاش وكذلك مدنين ومطماطة وتطاوين وجربة.

كثير من الدول تعطي السياحة السينمائية تسميات مختلفة مثل سياحة الشاشة أو سياحة الأدب والشاشات لتوسيع نطاق العلاقة بين صناعة الأدب والسينما وتقنيات الجذب السياحي.

وإن كانت هناك تجارب تشجعها الدول بشكل كبير مثل تجربة نيوزيلندا، فإن هناك كثيرا من التجارب لا تقوم على أفلام مشهورة ومعروفة، بل يتم تشجيع أصحاب الأعمال الصغار للبحث والاستثمار في موقع اشتهر في فيلم أو مسلسل كي يقوموا بمبادرات فردية لجعله وجهة سياحية.

أتذكر في هذا الصدد كيف أسهمت رواية ومسلسل “واحة الغروب” للأديب المصري الراحل بهاء طاهر في تعريف المصريين والعرب بواحة سيوة القابعة في قلب صحراء مصر الشرقية، وكيف أن أحد وجهاء المدينة علّق على هذا الأمر قائلا إن هذه الأعمال زادت من أعداد السائحين لهذه الواحة البديعة المفعمة بالجمال وعيون الماء والرمال الاستشفائية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى