Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
خبر عاجل

العالم المصري محمود حافظ.. رائد علم الحشرات الذي حارب من أجل اللغة العربية | الموسوعة


محمود حافظ، عالم مصري رائد في علم الحشرات، كان مثالا يحتذى به في تحقيق التكامل المعرفي بين العلم والأدب، فجمع بين رئاسة المجمع العلمي المصري ومجمع اللغة العربية بالقاهرة. لقب بشيخ العلماء وجدّ الأساتذة، ولد عام 1912 في مصر، وتوفي قبل أن يكمل عامه الـ100 بأيام قليلة، في 23 ديسمبر/كانون الأول 2011.

شارك محمود حافظ في تأسيس هيئات علمية وأقسام متخصصة، وترأس جمعيات علمية عدة، وشغل كثيرا من المناصب الأكاديمية، وخلَّف مساهمات علمية وتراثا معرفيا واسعا في مجالي علم الحشرات واللغويات.

عمل جاهدا على تفنيد الادعاء القائل إن اللغة العربية لا تستطيع أن تستوعب العلم الحديث، وكان يرى أن اللغة العربية بشمولها وثرائها، تستوعب ألوان المعرفة كافة.

المولد والنشأة

ولد “محمود حافظ إبراهيم دنيا” في العاشر من يناير/كانون الثاني 1912 في مدينة فارسكور بمحافظة دمياط في مصر.

نشأ في أسرة عريقة عرفت بالنضال ضد الاحتلال البريطاني، وقاد والده حافظ إبراهيم حركة مقاومة شعبية مسلحة ضد الاحتلال بالتزامن مع ثورة 1919، وباع في سبيلها جميع أراضيه البالغة 35 فدانا، ونصَّبه الثوار ملكا على فارسكور وشمال الدلتا بعد إعلان ما عرفت بـ”مملكة فارسكور”.

كان أعمام محمود من القضاة الشرعيين، فحفظ القرآن الكريم في سن مبكرة ودرس علوم الدين وقرأ في الأدب والشعر، ما أكسبه استقامة اللسان، وعزز في نفسه حب اللغة العربية وأهميتها بصفتها عنصرا أساسيا من مقومات الأمة والشخصية العربية، ودفعه ذلك إلى الاهتمام بمجال تعريب العلوم، والتكامل بين اللغة والعلم.

منذ صغره كان يهوى جمع الحشرات ذات الألوان الزاهية، وخاصة الفراشات التي علّمه مدرسه محمد حامد كيفية اصطيادها وفرد أجنحتها، وكان يذهب مع زملائه في المرحلة الابتدائية إلى قرية صغيرة اسمها “كفر أبو عضمة” لتجميع هذه الحشرات، التي غيرت مسار حياته العلمي لاحقا.

Demonstration in Egypt in 1919 holding the Egyptian flag with Crescent, the Cross and Star of David on it
والد محمود حافظ قاد حركة مقاومة شعبية مسلحة ضد الاحتلال بالتزامن مع ثورة 1919 (الصحافة المصرية)

الدراسة والتكوين العلمي

التحق محمود حافظ في طفولته بكتَّاب فارسكور لحفظ القرآن الكريم، وتلقى تعليمه الابتدائي في مدرسة فارسكور الابتدائية.

وفي عام 1920 ألحقه والده بمعهد دمياط الديني، بناء على نصيحة من أعمامه، لدراسة علوم الدين واستكمال حفظ القرآن الكريم.

وبعد حصوله على الشهادة الابتدائية بتفوق، صممت والدته على إلحاقه بالمدرسة السعيدية الثانوية في محافظة الجيزة، وكانت من أكبر المدارس الثانوية وأهمها في مصر في ذلك الوقت، ولم يكن الالتحاق بها سهلا.

وقدمت والدته طلبا لإلحاقه بالقسم الداخلي مجانا، نظرا لضيق ذات اليد بعد أن أنفق والده ممتلكاته على العمل الوطني، فتم قبوله بالمدرسة والتحق بها عام 1926.

حظي محمود حافظ باهتمام معلميه وإعجابهم بسبب طلاقة لسانه وإتقانه اللغة العربية وقراءة القرآن الكريم، وقدرته الكبيرة على حفظ الشعر، وكان رئيسا للجنتي الثقافة والخطابة بالمدرسة فضلا عن إمامته الصلاة.

عقب إنهاء دراسته الثانوية، وحصوله على “البكالوريا” بمجموع 91%، ورغم تفوقه الواضح في المواد الأدبية، التحق حافظ بكلية الطب لمدة 3 أشهر فقط قبل أن ينتقل إلى كلية العلوم بجامعة فؤاد الأول (تغير اسمها فيما بعد إلى جامعة القاهرة)، بطلب من رئيس الجامعة وقتها أحمد لطفي السيد.

تخرج حافظ في كلية العلوم عام 1935 وعين معيدا بالكلية، وسافر عام 1937 إلى إنجلترا لاستكمال دراسته، وفي عام 1940 حصل على درجة الدكتوراه في علوم الحشرات التي كان يهوى جمعها، ليكون أول مصري يحصل على هذه الدرجة في هذا التخصص.

بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945 عاد مجددا إلى إنجلترا واستكمل دراساته المتعمقة في مجال الحشرات في جامعة “كامبردج” لمدة عامين، عاد بعدها إلى كلية العلوم في مصر.

محمود حافظ ساهم في إنشاء قسم علم الحشرات في كلية العلوم بجامعة القاهرة عام 1948 (شترستوك)

الوظائف والمسؤوليات

خلال مسيرته الحافلة، تقلد حافظ مناصب رسمية وأكاديمية عدة، ففي عام 1953 تولى رئاسة قسم الحشرات في كلية العلوم بجامعة القاهرة، وأصبح وكيلا للكلية عام 1964، وفي عام 1968 عُين وكيلا لوزارة البحث العلمي، وعاد مجددا لرئاسة قسم الحشرات بكلية العلوم واستمر في منصبه حتى عام 1973.

في عام 1977 بدأت علاقة حافظ الرسمية بالمجمع العلمي (أحد أقدم الهيئات العلمية في القاهرة وأنشئ عام 1798 بقرار من نابليون بونابرت) حيث اختير عضوا بالمجمع العلمي، ثم نائبا لرئيس المجمع عام 1996، قبل أن يتقلد رئاسة المجمع عام 2005، وحتى وفاته نهاية عام 2011.

وفي سياق متواز، كان حافظ ينخرط في أنشطة مجمع اللغة العربية بالقاهرة، حيث تعاون مع عضو المجمع “نذير بك” في ترجمة بعض المصطلحات إلى العربية عام 1956، قبل أن يتم اختياره خبيرا في المجمع عام 1964.

ولسنوات طويلة شارك حافظ في مختلف لجان المجمع قبل أن ينتخب بالإجماع عام 1996 نائبا لرئيس المجمع، وبعد وفاة الأديب والعالم اللغوي شوقي ضيف عام 2005، انتخب حافظ خلفا له لرئاسة مجمع اللغة العربية، فأصبح أول علمي يشغل كرسي الرئاسة في تاريخ المجمع، الذي يضم صفوة علماء اللغة.

وبجانب جمع العالم المصري الرائد بين رئاسة المجمع العلمي ومجمع اللغة العربية، رأس حافظ هيئات وجمعيات علمية وبحثية مثل اتحاد المجامع اللغوية العلمية العربية والجمعية المصرية لتاريخ العلوم والجمعية المصرية لعلم الحشرات والاتحاد العلمي المصري واللجنة القومية للعلوم البيولوجية بأكاديمية البحث العلمي والجمعية المصرية لعلم الطفيليات والمجمع المصري للثقافة العلمية.

وشغل حافظ عضوية المجلس القومي للتعليم والبحث العلمي ومجلس أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا.

وعلى المستوى الدولي، حصل العالم المصري على عضوية العديد من الأكاديميات العلمية مثل الأكاديمية الإسلامية للعلوم في الأردن، وأكاديمية العلوم الأفريقية في كينيا، وأكاديمية العالم الثالث للعلوم في إيطاليا، بجانب جمعيات علم الحشرات الروسية والأميركية والملكية بلندن، والاتحاد الدولي للعلوم البيولوجية في باريس، واختير مستشارا للمنظمة الدولية للصحة العالمية في موضوع الحشرات الناقلة للأمراض.

وخلال الفترة (1935-1952) تولى منصب الأمين العام لجمعية الهداية الإسلامية التي كان يرأسها الشيخ محمد الخضري حسين، الذي أصبح فيما بعد شيخا للأزهر.

إسهامات بين العلم والأدب

لعب محمود حافظ دورا مهمّا في تأسيس أقسام علمية متخصصة في مجالات عدة، حيث ساهم في إنشاء قسم علم الحشرات في كلية العلوم بجامعة القاهرة عام 1948، وشارك في تأسيس متحف الحشرات بالكلية عام 1952، وهو ثاني أكبر متحف من نوعه في العالم، ويضم نحو 70 ألف عينة لأكثر من 4 آلاف نوع من الحشرات.

كما ساهم في إنشاء قسم الآفات ووقاية النبات في المركز القومي للبحوث في مصر عام 1956، ووحدة البحوث البشرية في المركز الإقليمي للنظائر المشعة في الدول العربية وأشرف على وضع برامجها، وإعداد كوادرها علميا خلال عام 1965 و1976.

شارك محمود حافظ في أكثر من 50 مؤتمرا عالميا في مجالات العلوم البيولوجية والحشرات ومكافحة الآفات وتاريخ العلم.

ورغم انخراطه في المجال العلمي وتفوقه الواضح فيه، لم يتراجع عشقه للأدب واللغة العربية، أو تتوقف إسهاماته في هذا المجال، حيث كان يرى أن العلم والأدب صنوان لا غنى عنهما لأي مشتغل بالعلم أو الأدب، لذا لم يفترقا طوال مسيرته العلمية والعملية.

وأجرى العشرات من الدراسات حول المعاجم العلمية وتعريب العلوم، وشارك في ترجمة وتعريب الآلاف من المصطلحات في مختلف التخصصات العلمية، من خلال لجان الأحياء والزراعة والكيمياء والصيدلة والنفط في مجمع اللغة العربية.

كان يرى أن اللغة العربية تواجه حربا شعواء يجب التصدي لها، وحذر مرارا من ضعف علاقة الأجيال الجديدة باللغة العربية في ظل تنامي أعداد المدارس الأجنبية التي وصفها بـ”الكارثة الكبيرة” بسبب غياب اللغة العربية عن مناهجها، ودعا لإنشاء منظمة قومية معنية بترجمة العلوم.

محمود حافظ تقلد منصب رئيس المجمع العلمي المصري عام 2005 حتى وفاته عام 2011 (مواقع التواصل الاجتماعي)

أهم مؤلفاته

ألّف محمود حافظ وترجم وراجع ما يقرب من 17 كتابا فى علوم الحشرات والحيوان ومنها:

  • علم الحيوان العام.
  • تشريح الحيوان.
  • أسس علم الحيوان.
  • الجزء الخاص بعلم الحيوان في الموسوعة العلمية العربية.
  • الجزء الخاص بالحشرات في موسوعة “فرانكلين” الميسرة.
  • المساهمة في كتاب تاريخ وتطور الحشرات في مصر.
  • المشاركة في ترجمة بعض المعاجم العلمية.
  • عشرات الأبحاث المنشورة في الدوريات العلمية المختلفة.

وفي الجانب اللغوي، وفضلا عن المشاركة في المعاجم اللغوية العلمية المتخصصة، نشرت له الكثير من المحاضرات عن اللغة العربية والعلم في مجلة مجمع اللغة العربية ومنها:

  • اللغة العربية في خدمة علوم الأحياء.
  • مجمع اللغة العربية ولغة العلم.
  • اللغة العربية في مؤسسات التعليم العام والتعليم الجامعي ووسائل النهوض بها.
  • الترجمة بين الماضي والحاضر ودورها في نقل العلوم إلى اللغة العربية.
  • قضية التعريب في مصر.

الجوائز والتكريمات

نظرا لتفانيه في خدمة العلم وإسهاماته العلمية البارزة، حصل محمود حافظ على جوائز عدة، منها جائزة الدولة التقديرية في العلوم عام 1977، ووسام الاستحقاق من الطبقة الأولى، والميدالية الذهبية مع شهادة تقدير من أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا عام 1978.

وفي عام 1981 حصل على وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى، وفي عام 1999 حصل على جائزة “مبارك” في العلوم.

وفاته

بعد عمر حافل بالإنجازات العلمية، وقبل أسابيع من بلوغه سن الـ100 أصيب محمود حافظ في نوفمبر/تشرين الثاني 2011 بارتفاع في ضغط الدم ترتب عليه توقف بعض أجهزته الحيوية، فنصح الأطباء بنقله إلى مستشفى القصر العيني التعليمي الجديد.

قضى نحو 4 أسابيع في المستشفى، وقيل إن حالته الصحية ساءت بعد علمه باحتراق المجمع العلمي المصري في 17 ديسمبر/كانون الأول 2011.

ولم تمض إلا أيام معدودات حتى وافته المنية في 23 ديسمبر/كانون الأول 2011 في القاهرة، وبذلك أسدل الستار على مسيرة عالم مصري رائد جمع بين العلم والأدب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى