أدباء وكتاب عرب أكثر تفاؤلا عام 2023 | ثقافة
منذ وقت مبكر على انطلاقة العام الميلادي الجديد 2023، شرع أدباء وكتاب عرب بكتابة منشورات على منصة التواصل الاجتماعي فيسبوك، يرصدون فيها هزائمهم وخساراتهم وأحزانهم خلال عام 2022، الذي شهد كثيرا من الحزن والشتات، إذ رحل شعراء ونقاد كبار مثل عبد العزيز المقالح ومحمد علي شمس الدين.
رغم امتلاء صفحات الفيسبوك بصور البؤس والتشييع والانكسار على مدى أيام العام المنصرم، حملت منشورات الكتاب والمثقفين العرب لافتات الأمل والتطلع بين براثن الانهيار والتردي، ووسط أدخنة الحروب ومشاهد الموت والفاقة والخذلان والتهجير.
في أول أيام السنة الجديدة، أنشد شعراء وشواعر عرب شعرا، في حين سرد آخرون منجزاتهم الإبداعية من إصدارات ومشاركات ثقافية، وإن شاب ذلك أسلوب تذمر واضح، إثر انتهاء سنة قاسية مليئة ببؤس الأرواح وشتات الأمكنة.
وتنوعت مظاهر الترحيب بعام 2023 الجديد بين قصائد تطفح بالأمل وكتابات تحفز على مواجهة الحياة بكثير من الجد والمثابرة والصبر والتحدي، إلا أن أغلب منشورات الكتاب العرب حملت تطلعات بالأفضل وحاكمت سنة 2022، سنة الشدة والأحزان، على حد تعبيرهم.
أما آخرون فشرعوا -بفارغ صبر وفسحة أمل واصطبار- يعدون الساعات المتبقية من عام 2022، وينتظرون إشراقة شمس عامهم الجديد (المنتظر).
“ضوء مشلول”
استهل الشاعر اللبناني شوقي بزيع عامه الجديد بشيء من التوجس، حينما أنشد في صفحته على فيسبوك، قصيدة حملت عنوان “1 كانون الثاني/يناير”، يختمها قائلا:
محض ادعاء
ذلك الثلج المصوح في أعالي الروح،
فيما يمسك الموتى بمفردهم زمام الأرض
وهي تجس نبض خيالها الواهي
وترسب في نفايات الرجاء.
لكن بزيع يعاين رتابة اليوم الأول، الذي يعد يوم عطلة، ويأتي في أعقاب عام لم يكن جيدا، بل كان مليئا بالمتاهات والأحزان والخسارات، فيقول “الأرض عاطلة عن الدوران هذا اليوم/ والأنهار عاطلة عن الجريان”.
ومسترسلا في كتابة ما يقول عنه “التكسر على خشب الشقاء”، يحيلنا الشاعر بزيع إلى بصيص أمنية، حيث يتابع:
تكفي يد لتعكر الساعات/
أو ريح لتركل، وهي تصفر غير عابئة،
مؤخرة السماء
لم ينجز الفلكي بعد مهمة التحديق
في قرني برج الجدي،
فيما الشمس تترك عرفها في عهدة المتنبئين
وتكتفي بتأمل السنة القديمة
وهي تسلم ضوءها المشلول
للسنة الجديدة.
وداع
الكاتبة العمانية منى حبراس السليمية افتتحت عامها الجديد بصورة ملتقطة في ليلة وداع سنة 2022، تجمعها بالشاعر السوري أدونيس، واقتبست من أدونيس مطلع قصيدة شهيرة له:
حاضنا سنبلة الوقت ورأسي برج نار:
ما الدم الضارب في الرمل وما هذا الأفول؟
قل لنا يا لهب الحاضر ماذا سنقول؟
مزق التاريخ في حنجرتي
وعلى وجهي أمارات الضحية
ما أمر اللغة الآن وما أضيق باب الأبجدية.
وأطلت حبراس -رفقة أدونيس- على مقعد سيارة تعبر وسط مدينة، في طريقهما (مجازيا) إلى الأمل المتجدد، وعلقت قائلة: “في هذا المشوار لم نتحدث عن الشعر، ولا عن الثابت والمتحول، ولا عن الثورات العربية”.
واستدركت “تحدثنا عن الأشجار التي أثمرت للتو، ومصابيح الشوارع التي أضاءت وحيدة ليلة البارحة. وعن النخيل التي باتت مبللة من مطر الليل… وعن رائحة ورق الكتب العالقة في البصر والبصيرة، وعن المطارات التي تدفئ أروقتها وممراتها بضحكات الغرباء والعشاق العابرين إلى السحاب والنجوم”، حسب تعبيرها.
الفنانة التشكيلية اليمنية آمنة النصيري نشرت واحدة من أجمل لوحاتها الفنية، حيث تنثر فيها “امرأة” في العوالم من حولها أزاهير المحبة والسلام، بينما تقف المرأة شامخة برأسها، وفي يدها اليمنى تفاحة.
وفي الصورة واللوحة دوما ما هو أبلغ من الكلام، عندما أوجزت الفنانة النصيري، في تحيتها لأصدقائها بمناسبة عامهم الجديد: “آمل مع بداية العام الجديد أن تتسع مساحة الفرح في الحياة، ويكتب لهذا العالم النجاة والسلام، وتظلل البهجة والطمأنينة كل البيوت الطيبة، كل عام وحياتكم أجمل”.
من جهته، ودّع الشاعر المغربي محمد بنقدور الوهراني آخر يوم في سنة 2022 بصورة له على الشرفة الأطلسية، واقفا على شاطئ رملي محلقا بيديه في الهواء، وكتب: “كل عام وأنتم بخير.. آخر يوم من سنة 2022 كنت فيه بالقرب من صديقنا البحر، رميت في قعره تعب السنة الماضية، وأستقبل فيه سنة 2023 بالأحضان”.
وتعبيرا عن مشاعر مليئة بالتوجس من المستقبل غير البعيد، تأسيسا على فداحات الأمس القريب، شرع عدد من الكتاب بنشر صور فوتوغرافية والتقاطات مقاطع فيديو تواكب لحظة غروب شمس آخر أيام ديسمبر/كانون الأول من العام المنصرم.
وارتقب آخرون يقيمون شرقي الأرض (في قارة آسيا) لحظة بزوغ شمس الأول من يناير/كانون الثاني، فقاموا بتوثيق لحظات الشروق الأولى مرفقة بتعليقات سريعة: الآن تشرق شمس عامنا الجديد.
عام الأحزان
الشاعر والفنان اليمني المقيم في القاهرة، محمد مشهور، كان 2022 بالنسبة له عاما للحزن والفراق، بدءا من رحيل شقيقته وأدباء يمنيين آخرين، لهذا اكتفى بصورة فوتوغرافية يؤطرها الحزن من زواياها الأربع مثل عناقيد عنب ضامرة في مشهد غيابها الموجع، لا سيما أخته فاتن، التي غادرت الحياة بعد صراع شديد مع المرض.
ويعجز مشهور عن ترجمة حزنه إلى كلمات، فيكتفي بكتابة موجزة: “مر عام الحزن، ولم يمر الحزن.. رحلت فيه شقيقتي ورفيقتي الغالية فاتن، وصديقي الحنون وليد دماج، والمعلم عبد العزيز المقالح، ومن كان لي نعم الأب والصديق ياسين غالب”، وجميعهم مبدعون يمنيون رحلوا في سنة 2022.
ومن ناحيته، عبّر الأديب اليمني محيي الدين علي سعيد عن قلقه إزاء حمى التفاؤل الكبيرة التي بدت واضحة في منشورات وأمنيات كثير من أصدقائه: “أنا قلق على المتفائلين بسنة 2023.. قد تكون 2022 أفضل منها بكثير”.
غير أن تشاؤم سعيد وقليلا من منشورات غير متفائلة لكتاب وأدباء هنا وهناك لم يكن ليحاصر مساحات الأمل بسنة جديدة أفضل من سابقاتها، بالنسبة للكاتب العراقي عواد علي، الذي كتب سطرين في تحية رأس السنة: “أتمنى أن يكون 2023 أقل سوءا على البشرية من عام 2022”.
وغير بعيد، نشر الأديب العراقي هادي الحسيني مقطعا شعريا يشبه فيه العام المنصرم بعام الفيل، في إشارة إلى سنة غزو أبرهة الحبشي لمكة.
ووفقا للحسيني، تناسلت في 2022 الحروب وأتقن طلبة الابتدائية رسم وجه الموت، إذ يقول:
“عام أخرس…./ تناسلت فيه الحروب/ وأنجبت موتا/ حتى إن أطفالنا في الابتدائية/ عندما يقف أحدهم أمام السبورة/ في درس الرسم؛/ يرسم وجه الموت/ وينسى أن يرسم وجه وردة”.
وبطريقة مغايرة، أطل الشاعر الليبي محمد عبد الله، في مقطع فيديو قصير ضمنه قصيدة شعرية بصوته على وقع موسيقا هادئة، بينما يسند ظهره إلى عمود شبه أسمنتي داخل مبنى مهجور.
ومما أنشده عبد الله: “خرجت أبحث عني/ لربما أجد أثرا يشبه أثر خطواتي البطيئة/ مررت من كل الطرق التي قد أجدني فيها/ مع إحداهن/ أو جالسا أتأمل/ وجوه عمال النظافة والمراهقين/ الهاربين من سور المدرسة/ أكملت طريقي في البحث عني/ في المقاهي الشعبية/ لربما نسيت شيئا على الطاولة/ فعدت لأخذه/ لكنني لم ألمحني/ لا هناك/ لا هنا/ لا عند بائع العصافير/ لا في سوق الأسماك/ وكما يفعل الجميع/ سألت عني في المستشفيات/ فقالوا/ كان هنا/ وخرج قبل أن يتعافى”.
أما الشاعرة والروائية التونسية المقيمة في فرنسا، حياة الرايس، فنشرت تهنئة بالعام الجديد، تقول فيها: “شكرا 2022، أعطيتينا الحياة حتى آخر رمق فيك، فغفرنا لك كل ما لم تعطنا إياه. كل عام وإحنا (نحن) بخير”.