ما بعد المونديال.. النهضة العربية وحاجة الغرب للشرق بالاعتراف والإنصاف | آراء
انتهى المونديال باعتباره حدثا رياضيا في سياق زمني محدد بقُطر، لكن آثاره ومخلفاته، ستظل ممتدة في الزمن، على مستوى الوعي الثقافي وفي العلاقات بين الشعوب والموقف من الآخر المختلف، إذ برزت ثنائيات الشرق والغرب في الإعلام قبل انطلاق المونديال في قضايا ذات صلة بالبعد القيمي والثقافي الذي يدخل في دائرة الخصوصيات التي تتميز بها كل مجموعة بشرية أو كيان حضاري عن آخر لطبيعة الرؤية للعالم أو النموذج الذي تتشكل منه فلسفة الحياة في هذا القطر أو ذاك.
قد برزت لنا هنا حالة من عدم معرفة الشرق أو الجهل به، مما سمح باستعادة النظرة السلبية إلى الآخر المختلف، امتدت إلى تبخيس المونديال في انطلاقته، من دون أن نغفل عن الآراء المنصفة، لكن ما رافق عملية التنظيم من إبداع وتميز، وبموازاته أبعاد التراحم والقيم المعبرة عن روح الشرق، وغير ذلك من الجوانب الأخرى البديعة في المونديال، جعل هذه النسخة ليست أفضل نسخة في تاريخ اللعبة الأكثر شعبية فحسب، بل أعاد أيضا تعريف الشرق للغرب، على غير ما هو معهود، كما نبه الشرق نفسه إلى كينونته التي يتفرد بها، ومن ثم ممكنات الاستئناف النهضوي والحضاري.
الشرق والغرب.. بين الإنكار والإجحاف والاعتراف والإنصاف
حمل لنا الإعلام بالتزامن مع نهاية المونديال، تعليقات مقتضبة وموسعة في الآن ذاته، منها ما هو سلبي بقي أسيرا لرؤية تستبطن الاستعلاء في صلة بالثقافة العربية والإسلامية، ومنها ما هو إيجابي يحمل دلالات الاعتراف والإنصاف لدولة قطر بشأن تقديم نسخة فريدة في تاريخ المونديال، ومعها المكون العربي والإسلامي، حيث كان المونديال نافذة على الرموز التي يتشكل منها الشرق، والتي لم تسمح لها حمى الأحداث المعمرة في المنطقة لإبرازها من قبل، لكنها ظهرت في جو من الفرجة والمتعة الرياضية.
أولا: الردود السلبية
قد تجلى ذلك في الموقف من ارتداء نجم فريق الأرجنتين للبشت العربي، حيث اعتبره البعض مقززا، بل هناك من استنكر الفعل ذاته، وفي ذلك استبطان إلى موقف مسبق من الزي العربي وما يخفي خلفه من عادات في الزي وأنماط ثقافية، ظلت تمثل الآخر الذي يوجد في مسافة منفصلة على الذات، وبوضعية منحطة.
تلك إحدى الدلالات التي حملتها ردود الفعل في العديد من المنصات الإعلامية لمشهد كان يمكن اعتباره لحظة تثاقف، وشكلا من أشكال التنوع الذي يثري مظاهر الحياة الإنسانية برمتها ويعبر عن أوجه التعدد الثقافي، التي تحتاج مثل هذه الأحداث الرياضية أن تكون منصة لمد الجسور بين مختلف المكونات الثقافية والحضارية. وداخل هذه المكونات التعددية بطبعها، يتجلى الزي وأنماط القيم التي توجه السلوك الإنساني والعلاقات الاجتماعية، فليس الدفاع عن الرياضة والكرة هو ما دفع البعض إلى مسلك النقد، فالكرة ليست لعبة، ذلك أن ما تحمله التجمعات الرياضية الكبرى هو أكبر من الرياضة، إذ نصبح في دائرة التعبير الثقافي والتعارف والتعرف المتبادل بين مختلف أجناس الأرض وشعوبها، لكن المثير هو الموقف من الآخر، الذي قد يكون الجهل به، أو الموقف الضدي منه، باعثا على مجمل التعبيرات السلبية.
تقديم البشت العربي من الأمير نفسه تم النظر إليه ضمن دائرة الشرف والتقدير، وفي علاقة البلد المضيف بالضيف، وهي ترمز إلى جوانب لامعة في الثقافة العربية، والأهم من ذلك، أن لحظة التتويج لم تكن كروية ورياضية وحسب، بل كانت ثقافية للبلد المضيف والشرق برمته
من تلك التعبيرات والردود السلبية، إشارة قنوات تلفزيونية إلى أن رفع السبابة من طرف بعض لاعبي المنتخب المغربي يعد دلالة ورمزا على التنظيم المتطرف “داعش”، بالإضافة إلى استهجان الفرح مع الأمهات ورفع العلم الفلسطيني. ففي الحالة الأولى، يبرز لنا وسم التطرف الذي أضحى يغذي المخيال ويعوق التعرف على الرموز الثقافية والدينية للمجتمعات الشرقية، بعيدا عن موجة النزاعات التي قُدم فيها الإسلام في الإعلام الدولي والسينما والعديد من وسائط الثقافة، متلبسا لبوس “الإرهاب” والعنف في أحكام جاهزة تخدم إرادة الهيمنة.
كما أن صورة المرأة والأم ظلت حبيسة الوضع التقليدي، فالمرأة لا تحضر إلا ومعها تعاليم حقوق الإنسان والأسس التي تشكل مادة الحركة النسوية، لكن الجوانب الأخرى للقيم التي تحتفظ بالتكريم للأم والقدسية لرباط الأسرة ظلت مضمرة وبعيدة عن التعرف، لأنها خارج النموذج السائد. يمكن القول بأن الخطاب الحقوقي -رغم أهميته- يفتقر إلى القدرة على فهم مثل هذه الظواهر التي تحتاج إلى وعي مركب، وتمتلك الأدوات المعرفية من أجل النفاذ إلى الأصول الثقافية التي تشكل روح الشرق.
يعد رفع السبابة في المعتقد الإسلامي دلالة على التوحيد وتوجها إلى الخالق في لحظة روحانية مشبعة بالحمد والثناء عليه ونسبة النجاح والتفوق له سبحانه وتعالى، فذلك جزء من الثقافة الدينية التي تحمل بين ثناياها سلاما داخليا للفرد والمجتمع، والعلاقة مع الآخر باعتباره قسيما نظيرا للمسلم في الخلق والإنسانية، مما يعني أن بعض الرموز أضحت ذات طابع سلبي بفعل الاستعمال والتداول المتكرر لها في سياقات الصراع والنزاع، كما أن الأمومة في الثقافة الشرقية برمتها ترمز إلى المكانة المقدسة للأم، ومنها الأسرة.
هذه الجوانب كانت مثار إعجاب وإنصاف، فلم يكن البعد السلبي وحده ما أحاط بالسجال في أثناء المونديال وعقبه، بل شمل ذلك الرسائل الإيجابية وتعريف الشعوب الأخرى بأبعاد الجمال الكامنة في الشرق، التي تحتاج إلى استثمار واشتغال معمق بعد المونديال.
الثاني: الاعتراف والإنصاف
كانت تجليات ذلك عديدة في الإعلام المرئي والمكتوب، فالنقد -الذي واكب المونديال ابتداء- أضحى اعترافا بالقدرة على الإبداع والإنجاز من طرف دولة عربية. لقد أخرج المونديال العرب من دائرة الاستحالة والعجز إلى دائرة الفعل والإنجاز حينما توفرت الإرادة لذلك، كما أن تقديم البشت العربي من الأمير نفسه تم النظر إليه ضمن دائرة الشرف والتقدير، وفي علاقة البلد المضيف بالضيف، وهي ترمز إلى جوانب لامعة في الثقافة العربية، والأهم من ذلك، أن لحظة التتويج لم تكن كروية ورياضية وحسب، بل كانت ثقافية للبلد المضيف والشرق برمته.
كان الأمر كذلك بالنسبة للقيم الثقافية التي عبر عنها فريق المنتخب المغربي، فهي لم تكن معزولة عن سياقها الثقافي، أو لحظة عابرة، بل هي صور محملة بدلالات رمزية إلى أقدس الروابط التي يتشكل منها المجتمع الشرقي، والإنساني برمته، حيث اعتبرها البعض ملهمة لإعادة الاعتبار للأمومة والأسرة، ومن ثم كان النقد لطريقة احتفال اللاعبين في مدرجات اللاعبين في بلدان وسياقات أخرى في الغرب أو غيره، حيث تغيب الأم ومعها الأسرة في الغالب من مشاهد التتويج والفرجة الكروية والرياضية.
لقد كان حدث المونديال في هذا الجانب كاشفا عن التناقضات من جانب، بخصوص مدى احترام التعددية الثقافية وقبول الاختلاف وحرية التعبير بين الخطاب والممارسة، وأعاد السرديات الكلاسيكية بخصوص الشرق والغرب على إيقاع الرموز والجدل السياسي والثقافي، التي برزت من خلال مشاهد نقدية وتعليقات وآراء متداولة في الإعلام المكتوب والمرئي تتأرجح بين الإنكار والإجحاف من جهة، وبين الاعتراف والإنصاف من جانب آخر، مما يعكس طبيعة وعي لفيف من النخبة ساسة وإعلاميين، وهو وعي يتغذى على السائد في الرؤية إلى الآخر من خلال صراع المصالح والتفوق الثقافي، على حساب احترام ثقافات الشعوب وما تنضح به من مقومات، تشكلت في صيرورات قد تكون مغايرة من حيث الأسس التي انبنت عليها.
يمكن القول بأن الأزمة في رؤية بعض مكونات الغرب للشرق؛ ونقول مكونات، لأن الغرب ليس كتلة واحدة، كما لا يصح تعميم مفهوم الغرب، لأنه قد يغيب عن المجتمع الشرقي في حالة التعميم جوانب أخرى خفية في الغرب تمد جسور التواصل الحضاري والإنساني، بعيدا عن المتداول في لحظات الجدل السياسي والإعلامي، نقول بأن هذه الأزمة بطبعها ذات جذور ثقافية وفكرية وسياسية، فهي ليست مشكلة عابرة تطفو إلى السطح ثم تختفي، فالنظر إلى الآخر الشرقي وقاطن الجنوب في مخيال البعض ينظر إليه عادة من منظار مفرط في المركزية الغربية، أي أن جسور التواصل لدى هذه المكونات -المصطبغة بصبغة السلبية والموقف الحدي من العالم الشرقي- تتم من خلال مدركات قبلية وتمثلات تنظر للآخر من منظور الغيرية الضدية وليس الاختلاف، والجوانب التاريخية والفكرية والسياسية ذات الصلة بالصراع الدولي على العالم العربي والإسلامي، هي المادة الخام التي تشكلت فيها بعض الآراء الأحادية المنزع.
كما لا نغفل عن بعض المسؤولية التي يتحملها العالم العربي والإسلامي في تقديم ذاته الحضارية والثقافية والإبداع من خلال رؤيته للإنسان والعالم لتجسير الهوة وضخ رؤى جديدة لعلاج الأزمات المركبة الراهنة، مما يجعله ينخرط في روح العصر ولا يبقى في موقف المنفعل والتابع، هذا الهاجس ظل يشغل العقل النهضوي في أطوار متعددة في الزمن الحديث والراهن. فالمشكلة ترتبط في جانب منها بالنموذج الكامن في الرؤية للآخر في جزء من المخيال الغربي، لكنها كذلك مزدوجة تتصل في الجانب الآخر بمدى القابلية للفعل والتدافع لتقديم الصورة الحقيقة لما تستبطنه الذات العربية والإسلامية، ولعل تجربة المونديال يمكن أن تمثل استئنافا للتفكير، مما يخدم الحضارة الإنسانية، ويخدم العرب والمسلمين أنفسهم.
في إمكان النهضة العربية.. وماذا يمكن لروح الشرق أن تقدمه للإنسانية؟
يمكن القول بإيجاز عقب الروح الجماعية التي أبان عنها المونديال، والقدرة على الإنجاز والإبداع في التنظيم لأكبر حدث رياضي عالمي، بأن النهضة العربية والإسلامية أمر ممكن إذا توفرت شروطها ووسائلها، بأفق معرفي ونموذج ثقافي يعبر عن روح الشرق، وقد جاءت الرسالة من داخل مدرجات الرياضة والفرجة، وليس من الحقل الأكاديمي والثقافي الذي ظل مهووسا بسؤال التقدم منذ أكثر من قرن. إن التعبير الجماعي من جانب، والدولتي من جانب آخر من طرف دولة قطر، أعاد الربط بين مجتمعات المنطقة في نسق واحد من التعبيرات الرمزية والتضامن الجماعي.
لقد أسقط المونديال -في واقع الأمر- كل مقومات الفصل والتجزئة والنزاعات المختلقة التي أنهكت شعوب المنطقة، وأعاد الوعي إلى ما ظل مضمرا في الوجدان الجماعي للشعوب، والقيم الكبرى التي توجه السلوك والعلاقات الاجتماعية، كان ذلك معبرا عن الروح التي تسري في جسد الشرق برمته، ونقول الشرق، لأن الانفعال والشعور الوحدوي قد عبر عن نفسه بفطرية تامة في كل الإقليم والامتداد الجغرافي الذي كان مسرحا لمآسي وآلام منذ الاستعمار والاستبداد لاحقا، ثم ارتدادات الثورة المضادة على الربيع العربي، الذي كان يحمل تطلعات العرب للحداثة السياسية، قبل أن ينزل فيتو القوى الكبرى/الشرط الخارجي مع وكلاء محليين لإجهاض التغيير.
إن ما تم التعبير عنه من قيم ثقافية وشعور جمعي يؤشر على حياة الجسم العربي بروح ونفس واحد وإن تعددت الخرائط، ومثل هذه الروح التي خرجت من رحم المونديال بحاجة إلى وعي بأهميتها في سياق تاريخي مرت منه المنطقة، للبناء عليها من أجل المستقبل، ذلك أن ديمغرافيا المنطقة التي تناهز 430 مليون نسمة، مع خصوبة مرتفعة وشعور وحدوي مشترك، ثم ثروات متنوعة، وخصائص ثقافية مشتركة على الرغم من التعددية الإثنية والدينية، تشكل -في واقع الأمر- جوهر النهضة والتقدم إذا تحررت الإرادات الثقافية والسياسية وتحصل الاقتناع بالمصير المشترك في كيان حضاري عانى من الأزمات والمشكلات نفسها.
لقد ظهر في سياق صراع النماذج على أرضية قطر، ومنها إلى منصات الإعلام العالمي، عنصر الرموز الثقافية والقيم الكبرى التي تتميز بها المجتمعات العربية والإسلامية، فالثقافة طاقة دفع للمجتمعات والشعوب في تحقيق النهضة، ولاحم بين الإرادات المجتمعية المتنوعة لبناء الذات من خلال الاستجابة للشروط التاريخية وتجاوز التحديات، تعد دعامة أساسية لأي نهضة أو تقدم، فالتقدم قبل أن يكون عملية ترتبط بالثقافة والعلوم وتحديث البنى والأنساق السياسية والاجتماعية فهو انبعاث ثقافي وقيمي، يحدد الوجهة في علاقة جدلية تربط الإنسان بأخيه الإنسان، وفي علاقة الإنسان بالطبيعة والوجود.
وفي ما يخص العلاقات الإنسانية يكون الحديث عن طبيعة النظام الاجتماعي والمحددات القيمية التي تحفظ وجوده وديمومته، وفي العلاقة بالطبيعة يكون الاستخلاف والتعمير في الأرض هو المحدد، وليس النزعة العدوانية التي برزت مع جشع الإنسان والمنظومة المعاصرة، مما ولد أزمات المناخ بفعل الاستغلال الفاحش للطبيعة وخيراتها من دون محددات وضوابط أخلاقية تحمي الطبيعة من التدمير، أما البعد الوجودي، فالإسلام يشكل نظاما وقائيا للمجتمعات العربية من التشظي والدخول في نزعات التفكيك، حيث أضحى الإنسان مهددا في كينونته بعد أن انقطعت حبال الإيمان والعقل والله والإنسان. فالنهضة -قبل أن تكون عملية مادية تتعلق بالأشياء- وثبة في عوالم الثقافة والأفكار والقيم.
إن الحديث هنا عن هذه العلائق -لإبراز الأبعاد الجمالية التي تحتفظ بها ثقافة شعوب المنطقة والتي تكشف مع مونديال قطر هذا المستوى في ما بعد المونديال- ينبغي أن يكون ممتدا ومستمرا، فمن خلاله يمكن التعريف بالشرق، أي بالعالم العربي والإسلامي، بعيدا عن الصورة النمطية التي رسخها الإعلام الدولي والقوى المؤثرة، وهو تعريف يمتد لسياقات التفاعل الإنساني ومد الجسور، بحيث يكون للعرب والمسلمين إسهاما مؤثرا في النموذج الراهن، سواء على مستوى البعد الأخلاقي وما له علاقة بالنظام الاجتماعي والقيم التي أضحت توجه الفرد وتدفعه نحو مزيد من الفردانية، مما يضمر معها الجانب التراحمي، وتغيب الأسرة والعائلة والإنسان الفرد المكرم، وتصبح النزعة المادية ومقومات السوق هي المهيمنة.
أو في ما له علاقة بالطبيعة وأزماتها، باعتبار الأزمات الراهنة تستبطن أزمة في النموذج والبراديغم -كما أشرنا في المقالة السابقة– ومن ثم، فإن الأبعاد الأخلاقية في مناحيها الدينية والفلسفية، تستبطن الأصول الثقافية الإسلامية مادة خاما تحتاج الإبداع على مستوى الفكر والبحث والعلمي وحسن العرض، بعيدا عن خطاب العاطفة أو التنكر للذات.
إن أي استئناف للنهوض يستلزم تلك المقومات المذكورة، مع ضرورة تحرير الأداة السياسية وبناء أنساق سياسية تستجيب لروح العصر وتنجز التكامل العربي في وضع دولي تحتمي فيه الدول اقتصاديا وسياسيا داخل التكتلات، ووضع مقومات تخدم العلوم والمعارف، فتلك الجوانب المشرقة التي برزت مع المونديال قد تندرس إذا لم تواكبها حركة في العلوم والمعارف والوعي بمركزية القيم والثقافة، وإذا لم تحرر الإرادات والأداة السياسية، وحينما يتم ذلك، وقد ظهرت أماراته في وحدة الشعور والثقافة المجتمعية، فحتما سيكون التأثير ممتدا إلى مستوى عالمي ممتد، بما يحقق الرحمة والسلام العالمي، وفي ذلك خاطب القرآن نبيه الكريم، “وما أرسلنك إلا رحمة للعالمين”.
ختاما، ينبغي أن يكون حدث المونديال لحظة فاصلة في تاريخ المنطقة، للانبعاث والنهضة من جديد، وهو ما يتطلب دراسة متأنية لانعكاساته وما عبر عنه، لقد كان الإبداع في التنظيم إنجازا على أرض عربية، يقطع مع مسالك العجز والاستحالة والهزيمة النفسية، كما أن أشكال التعبير والرموز الثقافية في سياق من الجدل، أحدثت حالة صحوة في الضمير الإنساني، وكشفت تهافت الثنائيات الحادة بين الشرق والغرب على الرغم من حيازة أدوات السيادة والهيمنة للقوى الكبرى، ذلك أن الفطرة وقيم التراحم من استطاعة التأثير والجذب، لذلك ينبغي للحدث ومخلفاته أن يدفع مكونات الشرق للالتحام في أفق نهضوي يتجاوز حالة العطل والتقسيم والضعف، فالشعور الوحدوي حقيقة مجتمعية، ينبغي أن تعكسه الرؤى والإستراتيجيات.