بدعوى الاستثمار.. النظام السوري يصادر أراضي النازحين | سياسة
شمال سوريا- قبل 3 سنوات، نزح الخمسيني عبد الجليل حميدي من منزله في ريف إدلب شمال سوريا بعد أن تقدمت قوات النظام إلى المنطقة متّبعة سياسة الأرض المحروقة، ومنذ ذلك الوقت بات منزله وأرضه الزراعية في حكم المصادرة، ولا سبيل له للعودة واستثمار أملاكه.
ويمتلك حميدي نحو 5 هكتارات من الأراضي الزراعية الواقعة بالقرب من مدينة معرة النعمان في ريف إدلب، وكانت مصدر رزقه الوحيد، كما جميع الأهالي في المنطقة، حيث تُعتبر الزراعة المورد الأساسي لسكان شمال سوريا.
ويقول للجزيرة نت إن حكومة النظام طرحت أرضه مؤخرا للاستثمار ضمن مزادات علنية شملت العديد من أراضي النازحين شمال غربي البلاد، مؤكداً أنه يمتلك كل الوثائق التي تثبت ملكيته للأرض التي ورثها عن أبيه.
لكن الرجل يدرك أن عودته إلى أرضه ومنزله في كنف النظام السوري تُعتبر أشبه بعملية انتحار، لافتاً إلى أنه في نظر النظام “إرهابي وداعم للإرهاب” بسبب مشاركة أبنائه في الحراك الشعبي والمظاهرات السلمية وانخراطهم لاحقاً في فصائل المعارضة.
ويلفت النازح السوري إلى أنه لم يلفح بإجراء توكيل رسمي لإحدى قريباته في المنطقة لإدارة شؤون الأرض، ومحاولة الكشف عن مصيرها خلال هذه السنوات، موضحاً أن الأمر يحتاج إلى موافقة أمنية من سلطات النظام كي يتحصل على الوكالة القانونية.
مزادات أم نهب أراضي النازحين؟
وتمثل أرض حميدي جزءا من آلاف الهكتارات المستولى عليها من قبل نظام الرئيس بشار الأسد منذ استعادته السيطرة على أجزاء واسعة من ريفي إدلب وحماة، ونزوح أصحابها خشية من الانتقام والتصفية أو الاعتقال.
وتبلغ مساحة الأراضي التي أعلن النظام أخيراً عن طرحها، في المزادات العلنية للاستثمار ضمن محافظة إدلب، نحو 570 ألف دونم بالحد الأدنى، وفق تقارير حقوقية أشارت أيضا إلى أن هذه الإجراءات “تعني استمرار النظام السوري في نهب المزيد من أراضي النازحين واللاجئين، ومحاولة التغطية عليها عبر تكتيك المزادات العلنية”.
متوارون عن الأنظار
ونهاية سبتمبر/أيلول الماضي، أعلنت محافظة إدلب التابعة للنظام 3 مزادات علنية شملت أراضي زراعية في ريف إدلب، ضمن مناطق خان شيخون ومعرة النعمان وسراقب، وعرضتها للاستثمار الموسم الزراعي 2022- 2023.
وحملت الإعلانات عبارة “مزاد بالسرعة الكلية” وجاء فيها أن المساحات التي تضمنتها تقديرية قابلة للزيادة والنقصان، على أن تسلم للمستثمرين على أرض الواقع بموجب محاضر رسمية منظمة من قبل اللجنة المختصة.
واللافت في إعلانات المزادات العلنية لاستثمار الأراضي عدم ذكر أسماء مالكيها الحقيقيين أو تحديد موقعها بدقة، واقتصرت الإشارة إلى أسماء المناطق والمساحات التقريبية.
ووفق محافظ إدلب ثائر سلهب فإن “الأراضي التي تطرح للاستثمار في المزادات هي أراضي المتوارين عن الأنظار الموجودين في الشمال” في إشارة إلى النازحين السوريين في مناطق سيطرة المعارضة.
واشترط سلهب -في تصريح لصحيفة “الوطن” الموالية- عودة النازح وتسوية وضعه من قبل النظام لتتم إعادة الأرض التي أعطيت للاستثمار” معتبراً أن تلك الأراضي، الوقت الحالي، بحاجة لمن يديرها ويقوم بزراعتها.
لكن مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فضل عبد الغني، وصف المزادات واستثمار النظام لأراضي النازحين والمهجرين قسراً بأنها عملية سرقة وأشبه بالسطو المسلح الذي تقوم به العصابات التي تمتلك القوة العسكرية.
وقال عبد الغني للجزيرة نت إن عمليات الاستثمار لا تمتلك أي غطاء قانوني أو شرعي، لكون النظام السوري هو من قام بتشريد أصحابها وإبعادهم عن أراضيهم وأملاكهم التي يقوم باستثمارها وتقاسم أموالها من خلال لجان.
وتسعى الشبكة السورية إلى تسليط الضوء على عمليات طرح أراضي النازحين للاستثمار -في مزادات علنية- لإبطال أية آثار في المستقبل على أملاك النازحين، ونزع الشرعية عن ممارسات النظام ضد الأهالي، وفق تصريح عبد الغني.
جريمة حرب
ومع بداية الحراك الشعبي في مارس/آذار 2011، قام نظام الأسد بسن وتعديل العديد من القوانين والأنظمة تماشياً مع الوضع الجديد وجراء توسع دائرة الاحتجاجات في معظم المدن والبلدات، لا سيما قانون الإرهاب، التي أصبحت التهمة التي يُنعت بها المتظاهرون.
ففي أبريل/نيسان 2011، قررت حكومة النظام رفع حالة الطوارئ وإلغاء محكمة أمن الدولة العليا. وفي يوليو/تموز 2012 أصدرت قانون مكافحة الإرهاب رقم 19.
وفي الشهر نفسه صدّق النظام على القانون رقم 22 المؤسس لمحكمة مكافحة الإرهاب كي تقضي بذلك القانون الذي أعطى الحق للنائب العام بتجميد أملاك كل من يرتكب الجرائم المتعلقة بـ “الأعمال الإرهابية” أو أي جريمة بموجب هذا القانون.
ومع بداية الثورة، استخدم النظام التشريعات لفرض عقاب جماعي على كل المعارضين له ضمن سياسة ممنهجة، وفق العضو في “هيئة القانونيين السوريين الأحرار” المحامي عبد الناصر حوشان.
وأوضح حوشان -للجزيرة نت- أن مصادرة الأراضي تحت ستار الاستثمار انتهاك للمادة رقم 15 من الدستور والتي تمنع التعرض للملكية الخاصة أو مصادرة أموال الملكية الخاصة إلا في حالة واحدة ضمن الاستملاك للمنفعة العامة، بشروط وبقرار قضائي مبرم، وأن يكون هناك تعويض عادل للمتضرر.
ولفت إلى أن تصرف النظام بأراضي النازحين يخالف القانون الدولي أيضا، كونه استيلاء في إطار نزاع مسلح داخلي، من خلال سلطة تفتقر إلى الشرعية في العرف الدستوري، مؤكداً أن عملية الاستيلاء على الأملاك أو النهب من جرائم الحرب التي لا تسقط بالتقادم.