Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
خبر عاجل

أوسوجي.. ما الذي يفعله اليابانيون يوم 28 ديسمبر كل عام؟


في زمن بعيد جدا، في اليابان القديمة، كان يوم 13 ديسمبر/كانون الأول هو موعد إزالة الغبار من المعابد والأضرحة والقلاع لطرد الأرواح الشريرة واستقبال إله العام الجديد، توشيغامي، حفيد الآلهة التي أنشأت جزر اليابان، الذي يحضر مع شروق شمس أول أيام العام، ويزور كل المنازل ليجلب الصحة والحظ السعيد للعائلات. عُرف هذا الطقس آنذاك باسم “سوسوهاري” (susuharai) ويعني “كنس السخام”. (1)

بعد آلاف السنين، في فترة إيدو (آخر الفترات في تاريخ اليابان القديم)، انتقلت هذه العادة إلى المنازل، ولاحقا إلى المدارس والشركات، حيث تستعد كل هذه الأماكن لاستقبال العام الجديد، فتودع كل سلبيات العام الماضي وتنتظر القادم بطاقة إيجابية في طقس يُعرف باسم “أوسوجي” (Oosouji) ويعني “التطهير العظيم”، وهو طقس يمارسه اليابانيون إلى اليوم في آخر إجازة أسبوعية في العام، وقبل أيام معدودة من العام الجديد، فيقومون بتنظيف المنزل بشكل عميق لتعود إليه الحيوية والطاقة. (2)

تكتسب كل الأفعال في الثقافة اليابانية طابعا روحيا، وبالمثل في “أوسوجي” تقوم عملية التنظيف ليس فقط على التخلص من المهملات، ولكن أيضا على التجرد من أثقال الماضي، فيتخلص اليابانيون من كل المتعلقات التي ترتبط بالماضي وتثير الذكريات السلبية للاستعداد للمستقبل. التنظيف هنا يُمثِّل فرصة جيدة لإعادة ترتيب العقل وشحذ العاطفة، ويُعَدُّ شفاء للروح، والحقيقة أنك حين تتعرف على ما تُحدثه هذه العادة من تأثير في الصحة النفسية والعقلية فربما تفكر في أن تصبح جزءا من عاداتك.

من أعلى إلى أسفل.. وفي اتجاه عقارب الساعة

(شترستوك)

يبدأ التخطيط للعملية قبل الموعد المحدد، جرت العادة أن يحدث الأمر يوم 28 ديسمبر/كانون الأول قبل أيام من بدء العام الجديد، لكن بعض الأُسَر ربما تؤجل الأمر إلى بداية العام. تختار الأسرة يوما مناسبا مثل عطلة نهاية الأسبوع، وتكون مشاركة كل أفرادها أمرا مهما، ليكون لكل واحد منهم سلطة اتخاذ القرار بشأن ممتلكاته ويتخلص من القديم بنفسه للترحيب بالجديد، ويجري الاستعداد بتوفير منتجات التنظيف والصناديق والأكياس الضرورية، ومنتجات مثل صودا الخبز أو الخل الأبيض أو الأمونيا السائلة لتساعد في التنظيف العميق. (3)

يبدأ اليوم المحدد بغلق الهواتف حتى لا تحدث أية مقاطعات، وتُفتح النوافذ ليدخل الهواء النقي، وللاحتفاظ بأقصى حد من الهدوء والتركيز يمكن إشعال شمعة أو عود من البخور. أما عملية التنظيف نفسها فتبدأ من أعلى حيث السقف، إلى أسفل حيث الأرضيات، وغالبا ما تكون بشكل دائري، تبدأ عند نقطة وتسير في اتجاه عقارب الساعة حتى تصل إلى النقطة ذاتها في النهاية، يُزال الغبار من الأثاث والأجهزة والأرضيات والجدران وتُفتح الخِزانات ويجري التحقق من محتوياتها، إلى جانب تنظيفها، للتخلص من كل ما لم يعد له فائدة، والتخلص معها من كل ما يثير المشاعر السلبية والذكريات الحزينة، في حين يُحتفظ فقط بالأشياء والذكريات التي تمنح الصفاء والسلام.

تشمل طقوس أوسوجي أيضا التحقق من إجراء المهام الروتينية المؤجلة، مثل إرسال المعطف إلى التنظيف أو إعادة كتب استعرتها من أحد الأصدقاء، ومراجعة سداد الفواتير وتسوية الحسابات القديمة، والتخلص من المستندات والفواتير التي تتراكم في المنزل دون أية فائدة. (4)

(شترستوك)

في المدارس أيضا يقوم الطلاب بمساعدة معلميهم بتنظيف كل زاويا المدرسة، وفي المعابد يوضع حصير التاتامي المصنوع من الخيزران في الشمس لإزالة كل آثار الرطوبة، وفي أماكن العمل أيضا يقوم الموظفون مع المسؤولين بإعداد مكاتبهم لعام جديد. (5)

هل تتخيل كم سيصفو ذهنك بعد التخلص من كل ما يشغله؟ إنه طقس يتيح للعقل مستوى أعمق من التركيز وينقلنا إلى الحاضر متخففين من أعباء الماضي، التخلص من كل ما هو غير ضروري يمنحنا شعورا بالحرية، بينما تقيدنا الأشياء القديمة المتراكمة.

كيف يبدو دماغنا في الفوضى؟

بالنسبة لليابانيين، ربما يكون الأمر أشبه بطقس روحي توارثوه عبر الأجيال، لكن فوائده عليها أدلة واضحة من علم الأعصاب الحديث. ففي ظل الفوضى، ومع وجود عناصر بصرية متعددة وغير منظمة، تنشغل القشرة البصرية للدماغ بكثير من الأشياء التي تشتتها عن المهمة الأساسية، ويبدو التركيز على مهمة محددة أصعب، لذا ينصح المتخصصون أحيانا بإغلاق الستائر عند البدء في العمل أو المذاكرة لمجرد تقليل العناصر البصرية المحيطة. (6)

وجد الباحثون أن وصف المنزل بأنه “مزدحم” أو “مليء بالفوضى” ارتبط بوجود مزاج اكتئابي وشعور أكبر بالإرهاق لدى الأزواج. (شترستوك)

أكوام الورق والخزانات المكدسة بالملابس تُحدث تأثيرا تراكميا في أدمغتنا، كما تُشير دراسة نشرتها مجلة “جورنال أوف نيوروساينس” عام 2011، حيث إن وجود هذه العناصر يتسبب في إلهاء بصري يزيد الحمل المعرفي ويقلل من قدرات الذاكرة، كما يقلل قدرتنا على التركيز، ويُعَدُّ استنزافا مستمرا لقدرات الدماغ يُصيبنا بالتوتر والقلق. (7)

يمتد التأثير إلى اختيارات الطعام، فيميل الناس في البيئات غير المنظمة إلى خيارات غير صحية في تناول الطعام، والمثير للدهشة أن هذا التأثير لا يختفي بمجرد أن نغمض أعيننا ونستسلم للنوم، حيث يعاني مَن ينامون في غرف غير منظمة من مشكلات في النوم. (8) ونتيجة لذلك، كشفت تقنيات التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي وقياسات فسيولوجية أخرى أن التخلص من الفوضى في المنزل وبيئة العمل يتيح قدرة أفضل على التركيز ومعالجة المعلومات ما يؤدي إلى زيادة الإنتاجية. (9)

في دراسة نشرتها مجلة “برسوناليتي آند سوشيال سايكولوجي بولوتين” (Personality and Social Psychology Bulletin) عام 2010، استخدم الباحثون التحليل اللغوي للتعرف على وصف عدد من الأشخاص لمنازلهم، ومقارنة ذلك بحالتهم النفسية، خلال التجربة التي شملت 30 زوجا، وجد الباحثون أن وصف المنزل بأنه “مزدحم” أو “مليء بالفوضى” ارتبط بوجود مزاج اكتئابي وشعور أكبر بالإرهاق لدى الأزواج، ومستويات أعلى من هرمون الكورتيزول (هرمون الإجهاد)، وكانت النساء أكثر عُرضة لهذا التأثير السلبي، وعلى العكس كان لدى الأزواج الذين وصفوا منازلهم بأنها “مريحة” و”متجددة” شعور بالراحة أثناء الوجود في المنزل ومعدلات أقل من المزاج الاكتئابي. (10)

هكذا تؤثر النظافة في صحتنا وحالتنا النفسية

يُعَدُّ التنظيف نشاطا بدنيا يُحسِّن وظائف القلب والجهاز التنفسي وصحة العظام ويقلل مخاطر الإصابة بالأمراض المعدية والاكتئاب. (شترستوك)

حين رسا الملاح الإنجليزي ويل آدامز على شواطئ اليابان عام 1600، لفت نظره أناقة النبلاء ونقاء الحمامات ووجود حمامات بخار تفوح فيها روائح الخشب المعطر، على النقيض من شوارع إنجلترا التي تمتلئ بالمخلفات، ففي اليابان، البلد ذي المناخ الحار والرطب، لطالما كان الاعتناء بالنظافة والترتيب دائما مرادفا للصحة الجيدة. (11)

على مستوى الصحة الجسدية، تتبع باحثون بجامعة إنديانا حالة ما يقرب من ألف مواطن أميركي ينتمون إلى فئة تتعرض دائما لخطر الإصابة بأمراض القلب، كانوا من أصول أفريقية وتتراوح أعمارهم بين 50-65 عاما، وبقياس صحتهم العامة تبين أن أصحاب المنازل النظيفة كانوا يتمتعون بصحة أفضل، وكانت نظافة المنزل مؤشرا إيجابيا فارقا أكثر من ممارسة رياضة المشي. (12)

يُعَدُّ التنظيف نشاطا بدنيا يُحسِّن وظائف القلب والجهاز التنفسي وصحة العظام ويقلل مخاطر الإصابة بالأمراض المعدية والاكتئاب، كما أن المنزل النظيف يعني جودة هواء أعلى، مع تقليص الغبار والجراثيم، وبالتالي الوقاية من الأمراض التنفسية والمعدية. (13)

(شترستوك)

لا تقف الفوائد عند هذا الحد، فأثناء تنظيم الأدراج أو طي الملابس أو تنظيف الأرضيات نقضي لحظات هادئة من التركيز والانتباه، في دراسة نشرتها مجلة “مايندفولنس” (Mindfulness) عام 2015، وجد الباحثون أن غسيل الصحون بعناية وهدوء مع التأمل في التركيز على رائحة المنظف ودفء الماء والشعور بملمس الأطباق يُعَدُّ ممارسة تأملية تعزز حالة اليقظة وتُتيح تركيز الانتباه على المشاعر والأفكار في اللحظة الحالية، ويمكن اعتباره طريقة للاسترخاء وتقليل التوتر. (14)

يبدو التنظيف في “أوسوجي” تطهيرا عاطفيا يخلصك من كل ما يُولِّد مشاعر سلبية، فيجعلك تشعر بالتحرر من ثقل الماضي، ويساعدنا المنزل النظيف في توفير الموارد والوقت، فضلا عن كونه يُحسِّن مزاجنا ويساعدنا في أداء المهام بشكل أسرع، قد تدعوك هذه الفوائد للتفكير في استقبال العام الجديد على الطريقة اليابانية، وتأمل ما يمكن أن تُحدثه هذه العادة من تأثير في يومك. ربما تفكر أيضا في اتباع التنظيف بنزهة مفاجئة في الطبيعة، تماما كما يفعل اليابانيون الذين يخرجون إلى جبل فوجي الشهير والشواطئ والأماكن المفتوحة لمشاهدة أول شروق في العام الجديد وتمني عام من السلام والطمأنينة.

___________________________________________

المصادر

  1. Ōsōji, la gran limpieza de fin de año
  2. Everything you need to know about the Japanese New Year’s Eve
  3. Oosouji: el método japonés para limpiar la casa profundamente
  4. Oosouji, el método de limpieza que practican los japoneses cada 28 de diciembre
  5. Ōsōji, la gran limpieza de fin de año
  6. How Cleaning Has A Positive Effect On Your Mental Health
  7. Interactions of top-down and bottom-up mechanisms in human visual cortex
  8. This Is What it Means if a Messy Room Stresses You Out
  9. Interactions of top-down and bottom-up mechanisms in human visual cortex
  10. No place like home: home tours correlate with daily patterns of mood and cortisol
  11. What Japan can teach us about cleanliness
  12. La limpieza puede ser un “gesto” sanador: cómo es el Oosouji, la disciplina japonesa que busca el bienestar
  13. Beneficios de limpiar la casa: una psicóloga nos explica los motivos
  14. Chore or stress reliever: Study suggests that washing dishes decreases stress

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى