الثورة المخملية بدأت بمظاهرة طلابية وتوجت بإنهاء أكثر من 40 عاما من الحكم الشيوعي | الموسوعة
الثورة المخملية في تشيكوسلوفاكيا، أو الثورة الناعمة، هي الترجمة الحرفية لمصطلح “Sametova Revoluce” باللغة التشيكية، وهي حركة احتجاجية سلمية عرفتها دولة تشيكوسلوفاكيا (سابقا) بعدما تم قمع مظاهرة طلابية في 17 نوفمبر/تشرين الثاني 1989.
وانتهت هذه الثورة بسقوط أحد أكثر الأنظمة استبدادا في المعسكر الشرقي، في 29 ديسمبر/كانون الأول 1989، وأنهت أكثر من 40 عاما من الحكم الشيوعي للحزب الواحد في تشيكوسلوفاكيا، وأدت إلى انقسام هذه البلاد إلى دولتين منفصلتين هما التشيك وسلوفاكيا.
شرارة الثورة
بعد أسبوع من سقوط جدار برلين في ألمانيا عام 1989 واتحاد الألمانيتين الشرقية والغربية، بدأ الاتحاد السوفياتي يفقد سيطرته على الدول التابعة له آنذاك.
وفي تشيكوسلوفاكيا -إحدى دول الاتحاد- كان السخط يتزايد ضد الحزب الشيوعي التشيكي الحاكم، وتتزايد معه موجات الاحتجاجات.
وفي 17 نوفمبر/تشرين الثاني 1989 اجتمع ما يقرب من 80 ألف طالب وطالبة في ساحة “وينسيسلاس” (Venceslas)، في قلب العاصمة براغ، في مظاهرة سلمية لإحياء ذكرى أولئك الذين قتلوا على يد القوات النازية خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية.
ورفع الطلاب خلال هذه المظاهرة شعارات المطالبة بالحرية، والكرامة الإنسانية، والمشاركة في السلطة وفي عملية صنع القرار.
لكن الشرطة واجهت هذه المظاهرة بقمع عنيف، وهو ما أجج غضب الرأي العام في البلاد، وجعل آلاف المواطنين ينضمون إلى هذه المظاهرة، وانتقل العدد من 80 ألفا إلى ما يقارب 200 ألف متظاهر، قبل أن يصل العدد بعدها بأيام قليلة إلى 800 ألف.
واحتشد المتظاهرون وأشعلوا الشموع في احتجاج صامت، انتهى باستقالة الحكومة وسقوط النظام الشيوعي في تشيكوسلوفاكيا.
بداية الثورة المخملية وأبرز محطاتها
بدأت الثورة في 16 نوفمبر/تشرين الثاني 1989 بمظاهرة طلابية سلمية (حوالي 30 ألف طالب) في براتيسلافا (عاصمة سلوفاكيا حاليا) وتلتها مظاهرة أخرى (حوالي 80 ألف طالب) في اليوم الموالي في براغ (عاصمة التشيك حاليا).
تصدت الشرطة لهاتين المظاهرتين السلميتين بقمع عنيف، وأدى ذلك إلى سلسلة من المظاهرات الشعبية في الفترة من 19 إلى 27 نوفمبر/تشرين الثاني، وكانت المظاهرات مؤيدة وداعمة لهاتين المظاهرتين ورافضة في الوقت نفسه للسلوك القمعي للشرطة.
في 20 نوفمبر/تشرين الثاني 1989، بلغ عدد المتظاهرين حوالي 200 ألف متظاهر في شوارع براغ، يطالبون بالحرية والمزيد من الديمقراطية.
وفي 22 نوفمبر/تشرين الثاني من العام نفسه قرأ الكاتب والمسرحي “فاتسلاف هافل” (Vaclav Havel)، أشهر المعارضين للشيوعية الذي انتخب رئيسا للبلاد بعد استقالة الحكومة وسقوط الحزب الشيوعي الحاكم، إعلانا أمام مئات الآلاف من المتظاهرين في شوارع براغ.
وفي 24 نوفمبر/تشرين الثاني عاد “ألكسندر دوبتشيك” (Alexander Dubček)، زعيم “ربيع براغ” لسنة 1968، وقد استقبله الحشد المتجمع في ساحة “وينسيسلاس” بحفاوة بالغة.
وكان كثيرون يأملون أن يصبح دوبتشيك -وهو السكرتير الأول السابق للحزب الشيوعي بين عامي 1968 و1969- رئيسا للبلاد.
وفي مساء اليوم نفسه أثار خبر استقالة جميع القادة الشيوعيين من مناصبهم الحكومية موجة من الفرح في أوساط الشعب التشيكوسلوفاكي، مما دفع ما يفوق 800 ألف شخص إلى التجمع في ساحة “ليتنا” (Letna) للاحتفال بهذا اليوم التاريخي.
وقد طالب دوبتشيك جميع أعضاء الحكومة الشيوعية بالرحيل، في وقت بات النظام الحاكم يعرف بالفعل أن ساعاته أصبحت معدودة.
وفي 27 نوفمبر/تشرين الثاني، أدى إضراب عام لمدة ساعتين إلى شل الحركة في البلاد، وفي اليوم التالي، أعلن الحزب الشيوعي تنازله عن السلطة.
في 10 ديسمبر/كانون الأول استقال الرئيس الشيوعي “غوستاف هوساك” (Gustáv Husák). وفي 13 ديسمبر/كانون الأول تم عرض مسرحية “الجمهور” (Audience) لأول مرة في براغ، وكانت من تأليف المعارض والمؤلف المسرحي “فاتسلاف هافيل” الذي صار حينها مرشحا لرئاسة الجمهورية.
وفي 17 ديسمبر/كانون الأول عرضت قرية “كوماروف” (Komarov) تمثالا لستالين للبيع، وقد كان رمزا لأنه بقي هناك لأكثر من 40 عاما.
وبعدها أعلن عن انتخابات رئاسية، وكان المسرحي هافيل هو المرشح الوحيد لها. وفي 28 ديسمبر/كانون الأول انتخب دوبتشيك رئيسا للبرلمان الفدرالي، وفي اليوم الموالي انتخب البرلمان هافيل رئيسا لجمهورية تشيكوسلوفاكيا في 29 ديسمبر/كانون الأول 1989، وكان ذلك مؤقتا لمدة 40 يوما حتى إجراء انتخابات برلمانية حرة.
ثم تولى هافيل بعد ذلك منصب رئاسة جمهورية التشيك من 2 فبراير/شباط 1993 إلى 02 فبراير/شباط 2003، بعد انفصال الجمهورية إلى دولتين منفصلتين هما جمهورية التشيك وجمهورية سلوفاكيا.
نتائج الثورة المخملية
بفضل المظاهرات السلمية التي عاشتها تشيكوسلوفاكيا سنة 1989، والتي أصبحت تُعرف بالثورة المخملية، تمكنت البلاد من تحقيق إصلاحات سياسية، أنهت بها عقودا من حكم النظام الشيوعي الذي حكم البلاد منذ 1948.
وبالمقابل، ظلت هناك مشاكل أخرى عالقة في البلاد، خاصة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي سنة 1991، حيث أصبح النصف الشرقي (سلوفاكيا) غاضبا بشكل متزايد من القوة والمال المتركزين في النصف الغربي (التشيك).
وقد وصل هذا الغضب ذروته عام 1993، عندما قررت الدولة التشيكوسلوفاكية بشكل سلمي أن تنقسم إلى دولتين منفصلتين: جمهورية التشيك وجمهورية سلوفاكيا، وهو ما بات يعرف بعدها “بالطلاق المخملي”. وبذلك تكون جمهورية تشيكوسلوفاكيا قد انتهت فعليا سنة 1992.