وفاة جهاد بالسجن والأمين بالمستشفى.. عودة الجدل حول العدالة الصحية للسجناء بمصر | حريات
القاهرة- قبل أن يهدأ الجدل حول وفاة رجل أعمال شهير في مستشفى خاص رغم أنه مسجون، أعلنت منظمة حقوقية مصرية وفاة سجين متأثرا بمرض السرطان بعد رفض مناشدات أسرته توفير العلاج المناسب له خارج السجن.
وأعلنت الشبكة المصرية لحقوق الإنسان -أمس الأربعاء- وفاة السجين جهاد عبد الغني داخل محبسه بالمركز الطبي بسجن بدر، مشيرة إلى أنها قد نشرت استغاثات عدة بشأنه، آخرها منذ أسبوعين التي تمنى فيها أن يموت وسط أولاده.
وذكر بيان المنظمة الحقوقية أن أسرة المتوفي تقدمت بعشرات الاستغاثات والنداءات منذ بداية ظهور أعراض المرض عليه قبل نحو عام ونصف العام، وطالبت بتوفير الرعاية الصحية المناسبة ونقله إلى أحد مستشفيات علاج السرطان، لكن من دون جدوى.
كما أعلنت المنظمة المصرية وفاة السجين أشرف عبد السلام منصور -الشهير باسم “أشرف سلمي”- داخل محبسه في سجن برج العرب بمحافظة الإسكندرية (شمال)، مشيرة إلى البحث عن ملابسات الوفاة.
يأتي ذلك بعد أيام من الجدل الذي أثاره إعلان وفاة رجل الأعمال المصري الشهير محمد الأمين في مستشفى دولي بارز، في أثناء فترة قضائه عقوبته في قضية استغلال جنسي لفتيات بدار أيتام يمتلكها.
وبرز اسم محمد الأمين فجأة عقب ثورة يناير/كانون الثاني 2011، إذ امتلك حصة كبيرة في وسائل الإعلام من صحف وفضائيات، رغم أنه لم يكن معروفا بين الأسماء البارزة لرجال الأعمال المصريين.
وفاة الأمين أثارت الجدل حول المنظومة الصحية للسجناء، حيث تساءل معارضون عن مدى إمكانية نقل المحبوسين السياسيين عند مرضهم الشديد لمستشفى دولي خاص بالمثل، وسط اتهامات بالإهمال الطبي المتعمد، وهو الأمر الذي تنفيه الحكومة.
الرعاية الصحية للسجناء
تعتمد الحكومة المصرية على أكثر من جهة لتعزيز روايتها عن تعزيز الرعاية الصحية للسجناء. وتؤكد وزارة الداخلية هذا المسار عبر الآتي:
- إصدار بيانات إعلامية بين الحين والآخر لتأكيد الرعاية الصحية للسجناء، ونفي ما تراه من شائعات.
- تنظيم زيارات دورية لبرلمانيين وصحفيين وحقوقيين للاطلاع على الأوضاع بأنفسهم.
- تنظيم قوافل طبية بتخصصات متنوعة لعلاج السجناء كل فترة.
في هذا الإطار، استقبل مركز إصلاح وتأهيل (سجن) وادي النطرون (شمال العاصمة القاهرة) أكتوبر/تشرين الأول الماضي وفدا من مساعدي أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي لمطالعة أوجه الرعاية المقدمة للنزلاء، ومنها الرعاية الصحية.
ويوم 17 أغسطس/آب الماضي، استقبل مركز الإصلاح والتأهيل في مدينة جمصة (شمال القاهرة) وفدا من أعضاء المجلس القومي لحقوق الإنسان (جهة حكومية) للاطلاع على الرعاية المقدمة للنزلاء، خاصة الصحية.
ومن جهته، أكد المجلس القومي لحقوق الإنسان -أكثر من مرة- عناية قطاع الحماية المجتمعية بوزارة الداخلية بصحة السجناء.
وزار وفدان من المجلس مركز إصلاح وتأهيل بدر يونيو/حزيران الماضي، ومركز إصلاح وتأهيل النساء بالقناطر الخيرية يوليو /تموز الماضي، وأكد الوفدان وجود رعاية طبية لائقة، وفق بيانات رسمية.
من جهتها، تؤكد وزارة الخارجية عادة -في المحافل الدولية- وجود رعاية صحية للسجناء، وصرح وزير الخارجية سامح شكري نوفمبر/تشرين الثاني الماضي بأنه يثق في تقديم وزارة الداخلية الرعاية الصحية اللازمة للسجناء، في تعقيبه على إضراب عن الطعام قام به في ذلك التوقيت السجين السياسي البارز علاء عبد الفتاح.
ألف وفاة نتيجة الإهمال الطبي
في المقابل، قدمت 6 منظمات حقوقية رواية مغايرة، إذ وثقت وصول عدد الوفيات نتيجة الإهمال الطبي في السجون ومقار الاحتجاز منذ يونيو/حزيران 2013 حتى مارس/آذار الماضي، إلى نحو ألف حالة، من بينهم الرئيس الأسبق محمد مرسي.
والمنظمات الست هي مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، والجبهة المصرية لحقوق الإنسان، والمفوضية المصرية للحقوق والحريات، ومركز النديم، ومبادرة الحرية، ومؤسسة حرية الفكر والتعبير، ومنظمة “كوميتي فور جستس”، والمبادرة المصرية للحقوق الشخصية.
وكشف مركز الشهاب لحقوق الإنسان كذلك -منتصف ديسمبر/كانون الأول الجاري- عن وصول عدد حالات الوفاة في السجون ومقار الاحتجاز منذ بداية العام الجاري حتى الآن إلى 36 حالة، وفق بيان رسمي.
في حين وثقت منظمة “كوميتي فور جستس” -في تقريرها الربع السنوي الثالث عن الفترة بين يوليو/تموز وسبتمبر/أيلول 2022- 19 حالة وفاة داخل مقار الاحتجاز.
كما وثق المرصد العربي لحرية الإعلام (منظمة حقوقية مستقلة) خلال أكتوبر/تشرين الأول ونوفمبر/تشرين الثاني الماضيين استمرار الإهمال الطبي لعدد من الصحفيين، منهم هشام عبد العزيز وأحمد سبيع وحمدي الزعيم ومصطفى سعد.
لا عدالة صحية للسجناء
في هذا السياق، يرى رئيس مركز الشهاب لحقوق الإنسان، المحامي خلف بيومي، أن حالة رجل الأعمال الراحل محمد الأمين تجسد حالة الانتقائية الحكومية داخل السجون، إذ سمحت للأمين بالذهاب إلى مستشفى دولي خاص في أثناء قضاء فترة محكوميته من دون صعوبات وفي سرية، كما سمحت بذلك للرئيس الأسبق محمد حسني مبارك ورجال نظامه، حينما تعرضوا لأزمات صحية داخل السجن.
وفي حديثه للجزيرة نت، ذكر بيومي أن العكس هو ما يحدث مع السياسيين المحبوسين حاليا، سواء كانوا رموزا سابقين للنظام السابق كالوزراء والنواب والناشطين والصحفيين أو غيرهم، مضيفا “لم نرصد حالة واحدة نُقل فيها (أحدهم) لمستشفى محترم بقدر ما تستوجب حالتهم، إذ يتم التعامل معهم من خلال مستشفيات السجون غير المؤهلة، في حين يتم نقلهم للمستشفيات الخارجية في اللحظات الأخيرة، مما تسبب في وفاة عدد غير قليل”.
ويؤكد الحقوقي المصري أنه “لا توجد عدالة صحية للسجناء في مصر، وأن التعسف لا يزال هو سيد قراره في السجون، خاصة عدم السماح بالعلاج أو إدخال الأدوية أو النقل للمستشفيات، كما يحدث مع المرشح الرئاسي الأسبق عبد المنعم أبو الفتوح والعضوة السابقة بمجلس حقوق الإنسان هدى عبد المنعم”.
بدوره، يؤكد مدير المرصد العربي لحرية الإعلام، الكاتب الصحفي قطب العربي، أن السجون المصرية لا تتعامل بمعيار واحد مع المعتقلين المرضى، حيث تتشدد مع الغالبية العظمى بينما تتيح العلاج خارج السجن وفي مستشفيات متطورة للبعض، خاصة من المحبوسين الجنائيين، وفق رصده.
وفي حديثه للجزيرة نت، يضيف العربي أن الإعلاميين والصحفيين المحبوسين والسجناء -حسب تقارير مَرصده- يعانون الإهمال الصحي الذي تسبب في مضاعفات لكثيرين منهم.
وأوضح أن وفاة الصحفي محمد منير (1955-2020) كانت نتيجة الإهمال الطبي خلال فترة حبسه حتى وإن مات خارج السجن، كما احتاج بعض المفرج عنهم لأوقات طويلة للعلاج من تداعيات الأمراض التي أصيبوا بها في مقار احتجازهم، سواء كانت نفسية أو عضوية.
أسماء بارزة
في مقابل الرعاية الصحية لرجل الأعمال الراحل محمد الأمين، تحدث نشطاء عن أسماء بارزة ترفض السلطات مطالبها بالعلاج خارج السجن، حيث أعربت أسرة المرشح الرئاسي الأسبق عبد المنعم أبو الفتوح (71 عاما) عن قلقها البالغ على صحته أكثر من مرة وانتقدت عدم تمكينه من حقه في الرعاية الطبية.
إذ كشف نجله (حذيفة) عن تعرض والده لرابع نوبة قلب خلال شهرين أغسطس/آب الماضي، من دون استجابة من الجهات المختصة لعلاجه.
وطالبت أسرة أبو الفتوح يوليو/تموز الماضي بنقله لأي مستشفى خارج السجن على نفقتهم الخاصة، ولكن من دون استجابة، مما دفع سياسيين إلى تقديم طلب رسمي للإفراج الصحي عنه.
وتنتقد هند خالد (نجلة الحقوقية هدى عبد المنعم) عدم السماح لوالدتها بالعلاج خارج مستشفى سجن القناطر الخيرية، خاصة أنها تأتي جلسات محاكمتها أمام محكمة أمن الدولة طوارئ بسيارة إسعاف. وتعاني هدى عبد المنعم من مرض بالقلب يستلزم إجراء عملية قسطرة عاجلة.
وطالبت أسرة وزير التنمية المحلية الأسبق محمد علي بشر -في بيان رسمي مايو/أيار الماضي- بالإفراج الصحي عنه، بعد نقله لمستشفى خارجي في اللحظات الأخيرة وإجرائه عملية جراحية، إثر إصابته بجلطة في المخ في محبسه السابق بسجن العقرب، قبل أن ينتقل إلى سجن بدر حاليا.
شهادات متكررة
“العلاج موجود، والإهمال الطبي موجود” هكذا يوضح أحد المفرج عنهم حديثا أن أي إجراء طبي في السجون يجب أن يحصل على موافقة ضابط جهاز الأمن الوطني، الذي بدوره يستطلع رأي مسؤولي الجهاز في قراراته سواء بالموافقة الفورية أو التعطيل، خاصة إذا كان المسجون ذا صفة سياسية في النظام السابق أو شخصية معروفة إعلاميا أو ذا خطورة أمنية، خاصة من المتهمين بالعنف.
وفي حديثه للجزيرة نت، يضيف السجين السياسي السابق -الذي طلب عدم الإفصاح عن اسمه- أن العلاج يكون حسب المتاح في عيادة السجن وزيارات القوافل الطبية لها، كما أن السجناء أنفسهم يساعدون في توفير أدويتهم عبر الحصول عليها على حسابهم الشخصي خلال زيارات ذويهم، مع تجهيز صيدليات صغيرة خاصة بهم في كل غرفة حسب الإمكانيات المادية، إلى جانب متابعة الأطباء المسجونين لحالات زملائهم إذا تطلب الأمر.
وعبر مواقع التواصل، قالت الصحفية المصرية المستقلة والمدافعة عن حقوق الإنسان، شيماء سامي، إنها حرمت من حقها في الذهاب لمستشفى القناطر الحكومي في أثناء فترة حبسها الاحتياطي بسجن القناطر رغم وجود ورم في الرحم، بينما تم علاج محمد الأمين في مستشفى دولي.
وفي وقت سابق، وثقت دراسة مشتركة لمركز النديم والمبادرة المصرية للحقوق الشخصية 14 شهادة عن الانتهاكات التي تحدث بسبب الحرمان من الرعاية الصحية في السجون المصرية.
وأكدت الدراسة أن الإهمال الطبي في السجون بات شكوى شائعة من المحتجزين وأسرهم على حد سواء، وجاءت الدراسة تحت عنوان: “يا تعالجوهم يا تفرجوا عنهم.. الإهمال الطبي في السجون جريمة”.
المصدر : الإعلام المصري + الجزيرة + مواقع التواصل الاجتماعي