قمة بغداد الثانية.. ما بين إبعاد العراق عن التأثيرات الإيرانية وفسح المجال أمام الاستثمارات الأجنبية | سياسة
تربع الملف الأمني العراقي على هرم أعمال قمة بغداد الثانية -التي انعقدت في الأردن الثلاثاء الماضي- بمشاركة 12 دولة عربية وإقليمية، أبرزها قطر والسعودية وتركيا والكويت والبحرين وإيران وفرنسا، إضافة لحضور ممثلين عن دول الاتحاد الأوروبي ومجموعة العشرين وبعثة الأمم المتحدة بالعراق (يونامي).
وأكد المشاركون في أعمال القمة أهمية تعزيز دور العراق في المنطقة من أجل مواجهة التحديات الأمنية التي تشهدها البلاد، في ظل تزايد الهجمات الإرهابية التي كان آخرها الهجوم الذي شهدته محافظة ديالى (شرق) يوم انعقاد القمة وأسفر عن مقتل 9 عراقيين وجرح آخرين.
وعلى وقع أحداث القمة والتدهور الأمني في البلاد، أكد المتحدث باسم قيادة العمليات المشتركة اللواء تحسين الخفاجي -في تصريح صحفي- وجود مخططات إرهابية رداً على الضربات التي نفذتها القوات الأمنية ضد تنظيم الدولة الإسلامية.
الملف الأمني والحدودي
وكان ملف الانتهاكات السيادية للأراضي العراقية حاضراً في أعمال القمة، حيث أكد رئيس الوزراء محمد شياع السوداني -في كلمته الافتتاحية- رفض العراق استخدام أراضيه كمنطلق لتهديد دول الجوار، مبينا رفضه في الوقت ذاته الاعتداءات المستمرة على أراضيه، في إشارة الى الانتهاكات الحدودية المستمرة التي تشنها كل من إيران وتركيا على شمال البلاد، ضمن عملياتهما ضد فصائل كردية متهمة بشن هجمات داخل أراضي البلدين.
وفي حين أكد وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان استعداد بلاده لحل كافة الملفات الإقليمية العالقة مع دول المنطقة، ومنها مسألة الاعتداءات على حدود العراق، وتعهد مندوب تركيا وسفيرها في عمّان إسماعيل يلمز بذلك، إلا أن للأمر أبعادا أخرى بحسب العديد من المراقبين.
إذ يستبعد الباحث الأمني مخلد حازم أن تؤدي مقررات هذه القمة لوقف هذه الانتهاكات التركية والإيرانية الفترة الراهنة، عازيا ذلك لاستمرار الذرائع التي تتمثل بادعاء وجود تهديد أمني من الداخل العراقي على الأمن القومي لتركيا وإيران.
وفي حديثه للجزيرة نت، أوضح حازم أن هذه التصريحات تنم عن مدى أهمية العراق وموقعه الإستراتيجي بالنسبة لدول الجوار، سيما ما يتعلق بدوره في إيجاد التوازنات بالمنطقة بين الدول الخليجية والغربية وإيران، مبينا أن تأكيد هذه الدول على أهمية التعاون مع العراق في المجالات الأمنية والاقتصادية وغيرها، قد تمنح بغداد الفترة القادمة أوراقا للضغط الاقتصادي والإستراتيجي على أنقرة وطهران لوقف الاعتداءات، سيما مع افتقار العراق للرادع العسكري، بحسبه.
الاستثمار الفرنسي
ورغم أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أكد أن الهدف من القمة ينبع من رغبة بلاده بجمع جيران العراق وشركائه الإقليميين والدوليين على طاولة الحوار، وتعزيز العلاقة البينية ومنح العراق الاستقلال في اتخاذ قراراته بعيداً عن التأثيرات الأجنبية، إلا أن مساعي ماكرون في المشاركة وإنجاح القمة أثارت اهتمام المراقبين للشأن العراقي.
وهو ما يؤكده العديد من الباحثين العراقيين في أن هذه المساعي تنطلق من رغبة باريس للمشاركة في إعادة إعمار العراق على اعتباره “مفتاحا” نحو تعاون أوسع في المجالات الاستثمارية، بما يهيئ الفرصة للدخول لقلب السياسة العراقية.
ولا تعتبر المساعي الفرنسية بهذا الشأن جديدة في العراق، كما يقول الباحث السياسي العراقي غانم العابد، حيث يضيف أن مساعي باريس ترجع لفترة أقدم، ولكنها تزايدت مع تدشين اتفاق الشام الجديد بين العراق ومصر والأردن إبّان حكومة رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي في سبتمبر/أيلول 2020، بحسب تعبيره.
وفي حديثه للجزيرة نت، أوضح العابد أن تركيز ماكرون يتموضع حالياً في رغبته بالاستحواذ على استثمار منطقتي سهل نينوى وسنجار في محافظة نينوى على وجه الخصوص، حيث كان الرئيس الفرنسي قد زار المنطقتين بعد مشاركته في قمة بغداد الأولى في أغسطس/آب 2021 خلال جولته في مناطق شمال العراق.
وضمن هذا السياق، يقول الباحث الاقتصادي والسياسي نبيل جبار التميمي “إن محاولات توسيع الفرنسيين نفوذهم بالعراق تتضح أكثر في الدعوة لإقامة مؤتمر آخر العام القادم، وأن هذه الدعوة تعد إشارة توحي بعزم فرنسا على تدشين منتدى سنوي لدول المنطقة باسم بغداد، توطد من خلالها نفوذها وعلاقاتها الاقتصادية والدبلوماسية أيضاً في البلاد”.
ويتابع التميمي – في حديثه للجزيرة نت – أن تراجع الدورين الأميركي والبريطاني في العراق ساعد فرنسا للعب هذا الدور، وزيادة نفوذها على كافة المستويات في العراق ودول المنطقة في آن معا.
إبعاد عن التأثير الإيراني
لم تكن فرنسا الوحيدة في مساعيها من أجل إنجاح هذه القمة، حيث يعتقد أن الولايات المتحدة رحبت بدورها بهذه القمة رغم غيابها عن المشاركة بها، ويأتي هذا الاعتقاد من دعم واشنطن لقمة بغداد السابقة عام 2021، إضافة إلى لقاءات سفيرتها في بغداد ألينا رومانوسكي المستمرة بالمسؤولين في الحكومة العراقية.
وبحسب الباحث السياسي مجاهد الطائي، فإن هذا الترحيب بسبب رغبة واشنطن بالمحافظة على الأوضاع السياسية الراهنة في العراق والمنطقة كما هي، وتجنب أي تغييرات بموازين القوى، والتي من الممكن أن تؤدي الى الإخلال بسياسة المنطقة بما يفضي لجولة صراعات جديدة.
وعن غياب واشنطن في قمة بغداد الأخيرة، يقول الطائي للجزيرة نت “إنه ينبع من محاولات أميركية للتركيز على مناطق أخرى من العالم، ولكنها تدرك في الوقت ذاته ضرورة إبداء اهتمامها بالعراق، نظراً لعلاقته الوثيقة بأي فوضى قد تندلع في المنطقة”.
ويفصّل الطائي حول غياب واشنطن عن حضور القمة، بالقول إنها تمكنت من تعويض غيابها عن القمة عبر دعم حلفائها المشاركين فيها مثل مصر والأردن، ودفع هذين البلدين للعب دور بارز في العراق، رغبة منها بتجنب ترك هذا البلد فريسة لتصاعد النفوذ الإيراني فيه، وفق الطائي.
ويختتم الطائي حديثه معلقا “دعم واشنطن لدول إقليمية في هذه القمة يعني محاولات إبعاد العراق عن أي تحالفات مع إيران خلال الفترة القادمة، مع محاولة تقريبه إلى المحيطين العربي والغربي”.
وكان قد اعتُبر -في تقرير له نشر يوم انعقاد القمة- أن قمة بغداد الثانية تحظى بترحيب الإدارة الأميركية لأنه يعزز الانخراط العراقي مع جيرانه العرب، ولفت التقرير إلى أن الوقت وحده هو الذي سيحدد ما إذا كانت الاتفاقات التي تم التوصل إليها ستكون مثمرة.
وأشار التقرير إلى أن هدف باريس وبغداد من القمة الأخيرة هو البناء على النجاح المتحقق بالقمة الأولى من خلال توسيع عدد القضايا على جدول الأعمال، والسعي لإطلاق تعاون إقليمي حول مجموعة مختلفة من القطاعات بما فيها الطاقة، مع الإبقاء على العراق كموضوع رئيسي.