العراق- بعد عامين على توقفها.. ما دلالات عودة احتجاجات تشرين؟ | سياسة
يشهد الشارع العراقي تحركات تديرها مجموعة من القوى المدنية والناشطين، ودعوات لعودة الحراك الشعبي من جديد في العاصمة بغداد وعدد من مدن العراق، وذلك في مطلع أكتوبر/تشرين الأول المقبل، وذلك بالتزامن مع إحياء الذكرى الثالثة لاندلاع احتجاجات تشرين عام 2019.
ومع استمرار أزمة تشكيل الحكومة في العراق وانتهاء هدنة “الزيارة الأربعينية”، تتجدد المخاوف من تصاعد الأحداث وانضمام أنصار زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر إلى الاحتجاجات المرتقبة.
دعوات الاحتجاج
ويؤكد الناشط علي المكدام وجود تحشيد للاحتجاجات التي ستنطلق في الأول من أكتوبر/تشرين الأول المقبل تحت مسميات “الذكرى السنوية” أو “الفرصة الأخيرة” وعناوين كثيرة منتشرة هنا وهناك.
ويرجح المكدام في حديثه للجزيرة نت أنه سيتم استغلال تلك الاحتجاجات لتمرير بعض الأهداف السياسية، خاصة من التيار الصدري، حيث سيحاولون الزج بأتباعهم فيها ونصرتها لرفع شعاراتهم وغاياتهم باسم الورقة التي دائما تكون رابحة نسبيا وهي “احتجاجات تشرين”.
ويضيف بأنه في حال حصلت اشتباكات مسلحة وسقط فيها ضحايا -وذلك متوقع وفق مراقبين- فستكون فرصة للصدريين لإحراج الحكومة والمجتمع الدولي وإرضاخهم لتلبية مطالبهم من خلال “ثورة تشرين” التي تحظى بتعاطف محلي ودولي.
ويشير المكدام إلى أن مشاهد الرعب والاشتباكات المسلحة التي حصلت الشهر الماضي في بغداد والبصرة، ما هي إلا نموذج مبسط عن شكل مآلات الوضع العراقي في حال تأزمت الأمور، وهو الأمر الذي لا أحد يتمناه، لأن العراقيين هم الخاسر الوحيد.
بدوره يوضح الناشط الفاروق الصالحي بأن دعوات الاحتجاج أطلقها “كل المشاركين الناجين من المجزرة التي حدثت في ثورة تشرين وعلى مدار سنة كاملة”، وكذلك تشكلت عدة لجان لتنظيم الحراك الاحتجاجي المرتقب.
وأكد للجزيرة نت أن طبيعة المظاهرات ومسارها غير معروف وهي متروكة لمجريات الأحداث، خصوصا أن العراق يشهد توترا على صعيد الشارع الاحتجاجي والسياسي؛ فلذلك يسعى المحتجون إلى أن يتم ضبط الوضع والتحلي بأقصى درجات ضبط النفس والتأكيد على سلمية الاحتجاجات بصورة عامة.
ويتوقع الصالحي -وفق المعطيات والتحشيد المستمر منذ أسابيع- أن تكون الساحتان الرئيسيتان في بغداد المعلن عنهما “التحرير والنسور” مركزا للاحتجاجات “بمد تشريني كبير”، وقد تكون هناك دعوات لأنصار الصدر للنزول في نفس اليوم أيضا.
وعن أبرز مطالب المحتجين يقول إنها “تتمحور حول إنهاء سلطة الأحزاب التي حكمت العراق لعقدين من الزمن ومحاسبة قتلة المتظاهرين، ومعالجة الجرحى والمعوقين، وإنهاء ملف المغيبين ورفض التدخلات الخارجية”.
خيبة أمل
ويرى مسؤول إعلام التيار الصدري في البصرة سعد المالكي، أن عودة الاحتجاجات سببها “خيبة الأمل” التي حصلت عند أغلب أبناء الشعب العراقي، من حكومة رئيس الوزراء الحالي مصطفى الكاظمي والحكومات التي سبقتها.
ويضيف للجزيرة نت، أن حكومة الكاظمي لم تكن أفضل من غيرها، بسبب سوء الخدمات، والمشاكل التي رافقت قيام هذه الحكومة، فجماهير تشرين كانت تنتظر أن يكون هناك تغيير على أرض الواقع، لكنها وبعد مرور هذا الوقت فهي الآن تشعر بخيبة أمل.
ويعتقد المالكي أن حجم الاحتجاجات المرتقبة وزخمها لن يكون بنفس الزخم الجماهيري الذي حصل عام 2019، وذلك لعدة أسباب، أهمها دخول بعض قيادات تشرين في العملية السياسية، سواء من خلال دخولهم في البرلمان العراقي، أو كمستشارين للكاظمي وغيرها من المناصب الحكومية، وكذلك حصول البعض منهم على مغانم ومكاسب أبعدتهم عن الجماهير.
ويلفت إلى أن بعض “التشرينيين” يعوّلون على دخول التيار الصدري معهم في المرحلة القادمة، لزيادة الزخم وإعطائهم دفعة قوة للوقوف بوجه “المليشيات” التي ستحاول الوقوف بوجه المظاهرات.
وحول الظروف والعوامل التي تدفع بعودة تشرين إلى الساحة بعد عامين على قمعها، يقول المالكي إنها كثيرة في واقع الحال، منها أن “هناك من سرق الثورة وصعد بدماء الشهداء ليتسلم مناصب ومغانم على حساب المتظاهرين، ناهيك عن معاناة أبناء الشعب العراقي، الذي كان ولا يزال يعاني من نقص الخدمات، وخصوصا ملف الكهرباء والماء وتردي الخدمات الصحية في أغلب المستشفيات، وتهالك البنى التحتية لأغلب المرافق العامة وخصوصا الطرق والجسور وغيرها”.
ويبين المالكي أن أهم مطالب المحتجين اليوم، هو تغيير هذا النظام الذي جثم على صدر العراقيين طيلة 19 عاما، والمجيء بحكومة عراقية وطنية ولاؤها يكون للعراق أولا وآخرا، ولا تتحرك وفق الأجندات الخارجية.
ويتابع “كذلك هناك مطالب أخرى تتعلق بالإسراع في تقديم الخدمات لأبناء الشعب العراقي، وخصوصا ملف الكهرباء وحل مشكلة المياه مع تركيا، وكذلك إنهاء التدخلات الخارجية التي أثرت تأثيرا كبيرا على أغلب الحكومات السابقة وفرض الإيرادات على العراقيين من خلال الزج بشخصيات محددة لرئاسة الحكومة هي بالأساس مرفوضة من قبل الشعب العراقي”.
إجراءات أمنية
وبدأت الأجهزة الأمنية في بغداد إجراءات احترازية مبكرة، وأغلقت بعض الطرق بوضع الحواجز الإسمنتية، مع تحصين المنطقة الخضراء التي تضم مقرات حكومية ودولية.
وحول ذلك يقول المستشار العسكري السابق صفاء الأعسم إن الجهات المعترضة لديها أذرع سياسية كبيرة داخل الدولة وتمتلك وفرة من المال والرجال والسلاح، مما يؤهلها إلى الاحتجاج بقوة تضاهي المؤسسة العسكرية والمؤسسات الأمنية العراقية.
وفي حديثه للجزيرة نت يرى الأعسم أن استقرار العراق يتطلب ضرورة جعل السلاح بيد الدولة فقط، لتكون الاحتجاجات سلمية، لأن المواجهة المسلحة تؤدي إلى فوضى كلية وخلل كبير في الأمن.
وينوه إلى أن المظاهرات السلمية لا اعتراض عليها، ولكن في حال تجددت محاولة اختراق المنطقة الخضراء والتجاوز على الهيئة التشريعية والتنفيذية والقضائية، فهذا سيدفع الحكومة لاتخاذ إجراءات عالية جدا لمنع مثل هكذا مظاهرات قبل أن تتحول إلى معركة بالأسلحة المتوسطة كما حصل سابقا.
ويبرر الأعسم مشاركة الحشد الشعبي في تأمين المنطقة الخضراء باعتباره من المؤسسات الأمنية التابعة إلى القيادة العامة للقوات المسلحة، منوها إلى وجوب خلو المؤسسة العسكرية من أي انتماءات غير الدولة.
احتجاجات تشرين مختلفة
من جانبه يلفت المحلل السياسي جبار المشهداني إلى أنه في احتجاجات 2019 كان غالبية المحتجين غير منتمين لأحزاب، ولا يمتلكون رؤية أو أهدافا سياسية واضحة، بل كان احتجاجا شعبيا كبيرا على الأوضاع.
ويضيف للجزيرة نت بأن “احتجاجات تشرين 2022 تختلف تماما عن سابقتها، لأن معظمها إما جهات سياسية أو تقولبت في أحزاب وحركات سياسية تشرينية دخلت الانتخابات بقوائم أو شكّلت لنفسها أسماء وحركات تشرينية ولكنها ليست عفوية”.
ويرجّح أن دلالة عودة الاحتجاج في هذا الوقت يرتبط بكونه أصبح من الرموز المميزة في تاريخ الحركات الاحتجاجية، ومن أسباب عودة الاحتجاج هو عدم الكشف عن قتلة المتظاهرين، وعدم حدوث تغيير سياسي واقتصادي في العراق، وإصرار الطبقة السياسية على أن تتمترس بالسلطة على حساب طموحات الشباب.
ويشير إلى أن هناك من يريد استثمار الاحتجاجات القادمة سياسيا، وربما يحرص الكاظمي على أن تكون هذه الاحتجاجات واحدة من أوراق الضغط على الأحزاب، وأيضا ربما سيكون للتيار الصدري الحضور الأكبر هذه المرة.
السيناريو المتوقع
وفي ظل الانسداد السياسي الذي تشهده البلاد، سيكون المشهد العراقي أمام عدة سيناريوهات وليس أمام سيناريو واحد، وفق رئيس مركز التفكير السياسي الدكتور إحسان الشمري.
وبيّن للجزيرة نت بأنه إذا ما فشل الإطار التنسيقي بالاتفاق مع بقية القوى السياسية بتشكيل حكومة فإنهم سيذهبون نحو إعلان الانتخابات المبكرة وقد يكون هذا مخرجا للأزمة الحالية، ولا يدفع الصدر إلى مزيد من التصعيد، وبالتالي يحققان نوعا من التوازن.
ويضيف بأن السيناريو الثاني هو الذهاب نحو تشكيل حكومة بضوء أخضر من مقتدى الصدر مع انتخابات مبكرة، وهذا قد يكون نوعا من أنواع التهدئة السياسية، لكنها قد تواجه معارضة قوى تشرين، وبالتالي ستكون هذه المعادلة الجديدة بمواجهة الشارع على اعتبار أن الشارع اختبر قوى الإطار التنسيقي في حكومة عادل عبد المهدي، وهناك قلق كبير من عودة معادلة السلطة “التي قتلت الشعب العراقي عام 2019”.
ويحذر الشمري من أن تشكيل حكومة بدون موافقة التيار الصدري “سيكون بوابة لتصعيد كبير جدا، وسنكون أمام مشهد مختلف، ليس فقط فيما يرتبط بوجود احتجاجات جديدة ومحاولة اقتحام البرلمان وإعلان العصيان المدني من قبل أتباع التيار، ولكن سنكون أيضا أمام مظاهرات من قبل قوى جديدة بدأت تأخذ مساحتها على مستوى المشهد السياسي العراقي، تشرين والأحزاب المدنية وغيرها”.
وحول فرص اتحاد احتجاجات تشرين مع الصدريين، يرى الشمري أن ذلك يعتمد على التيار الصدري أولا، من خلال مد خطوط مع قوى تشرين وقوى مدنية أخرى، وتكوين قيادة وطنية للمظاهرات، ويجب ألا يكون التيار الصدري وحده مسؤولا عن المظاهرات، إضافة إلى الاتفاق على مشروع وطني، وخارطة طريق للمرحلة القادمة.