تفجر الأوضاع على حدود حلفائها.. هل يهدف لإرباك موسكو؟ | سياسة
يربط المحللون الصراعات الأرمنية الأذرية والطاجيكية القرغيزية -التي اندلعت مؤخرا- بمحاولات “المنظومة الغربية” تشتيت انتباه روسيا، ولا سيما على أعتاب ما توصف بمعركة حسم إقليم دونباس.
موسكو- أثار النزاع الأذري الأرمني من جهة والقرغيزي الطاجيكي من جهة أخرى قلقا في روسيا؛ لتزامنه مع الحرب الدائرة في أوكرانيا وتوجّس الروس من محاولات لخلق بؤر توتر في جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق، تستهدف الفضاء الجيوسياسي والمصالح الحيوية لموسكو.
وتنطلق هذه الهواجس من أن تفجّر الأوضاع على حدود الجمهوريات السوفياتية السابقة يأتي من إثارة نزاعات تاريخية سابقة قد تقود إلى صراع مسلح وتحولها مجددا إلى مناطق ساخنة، بحسب مراقبين روس.
نار تحت الرماد
فبالنسبة لقرغيزيا وطاجيكستان، يرجع السبب الظاهر إلى عدم تمكن السكان المحليين من تقسيم أراضٍ تمر عبرها الحدود، وهي مشكلة تعود إلى 30 عامًا، عندما كانت الجمهوريتان جزءا من الاتحاد السوفياتي، وارتبطتا على هذا الأساس بحدود إدارية قبل أن تتحول إلى حدود دولية بطول 900 كيلومتر.
وكان النشاط الاقتصادي آنذاك يتم بلا مشاكل في عبور الحدود ولا يتعارض مع أية أنشطة أخرى، لأن كل شيء كان يدار من مركز واحد، من موسكو.
أما الجولة الجديدة من النزاع المسلح بين أذربيجان وأرمينيا، والتي انتهت بتوقيع اتفاق لوقف إطلاق النار، فشكلت تهديدا بعودة شبح حرب عام 2020، وأعادت طرح ملف ناغورني قره باغ البالغ التعقيد على الطاولة، مما يعني أن التوتر قد يبقى قائمًا.
الإرث السوفياتي
وإذا كانت النزاعات الحدودية في آسيا الوسطى وجنوب القوقاز تعود إلى زمن الاتحاد السوفياتي السابق، وشكلت على الدوام “قنابل موقوتة” انفجر بعضها فعلا ويمكن لأخرى أن تنفجر في أي وقت لاحق، فإن أي تصعيد جديد هذه المرة قد يأخذ أبعادا تتجاوز الطابع المحلي أو الإقليمي لها.
فبعد انهيار الاتحاد السوفياتي، ورثت هذه الجمهوريات التي نالت الاستقلال نزاعات حدودية لم يتم حلها. ورغم محاولات إخمادها منذ ما يقرب من 3 عقود، ورغم ما تم إحرازه من بعض التقدم، فإن الدم لا يزال يراق فيها.
جذور الأزمة
عمدت الدولة السوفياتية في السابق إلى رسم الحدود بين جمهورياتها بناءً على اعتبارات الجدوى الاقتصادية، كما أدت طريقة الحياة وطابعها المتنقل لدى بعض سكان في هذه المناطق إلى تعقيد التقسيم الإداري. فعلى سبيل المثال، إذا ساد السكان الطاجيك أو الأرمن في وقت ما من العام في منطقة ما، فقد يكون الأوزبك أو الأذر في وقت آخر هم الشعب المهيمن في هذه المنطقة. في نهاية المطاف، استرشد البلاشفة بمبدأ توطين الشعوب الذي يقود إلى أسلوب مستقر للحياة.
علاوة على ذلك، شكلت هذه المناطق -التي أصبحت متنازعًا عليها فيما بعد- ما يشبه الجيوب المتحاربة ومصانع للفقر والاكتظاظ السكاني، فضلا عن كونها ممرات لتهريب المخدرات وأنشطة الجماعات المتطرفة، وبالتالي كانت نقاط انطلاق محتملة لتصفية حسابات مع موسكو، وهي بلا شك معطيات لا تخفي الأخيرة أنها تؤثر عليها وتهدد أمن المنطقة بأكملها.
مناطق “عالية التوتر”
على ضوء الظروف الجيوسياسية الحالية، ولا سيما تلك المتعلقة بالحرب في أوكرانيا، بدأت المناطق ذات “التوتر العالي” في الفضاء السوفياتي السابق تأخذ أبعادا تتجاوز الخلافات الحدودية إلى مدى أوسع قد يشمل إرباك موسكو وإشعال الحرائق في حدائقها الخلفية.
في هذا السياق بالذات، يضع الباحث في الشؤون الدولية ديمتري كيم الصراعات الأرمنية الأذرية والطاجيكية القرغيزية التي اندلعت مؤخرا، ويربطها بمحاولات المنظومة الغربية تشتيت انتباه روسيا، ولا سيما على أعتاب ما يصفها بمعركة حسم إقليم دونباس.
تدخل سريع
وفي حديث للجزيرة نت، يرى كيم أنه يتوجب على موسكو في هذه الحالة التدخل لتمكين الطرفين القرغيزي والطاجيكي من حلّ المشكلة الحدودية بينهما في أسرع وقت، وبالتالي إخماد أحد أخطر بؤر التوتر الممكنة في آسيا الوسطى، وذلك بالنظر إلى أن أكثر من نصف إجمالي الحدود بين البلدين لم يتم تنظيمه من الناحية القانونية، وهو ما تسبب في تجدد الصراع.
وبحسب رأيه، فإن تفاقم الأوضاع على الحدود الأرمنية الأذرية والقيرغيزية الطاجيكية لا يعدو كونه محاولة من الغرب لإشعال الحرائق على طول محيط الحدود الروسية. متابعًا أنه على ضوء ذلك، وإلى أن يتم استبدال العالم الأحادي القطب بعالم متعدد الأقطاب، فإن البلدان المشار إليها ستكون ضحية للألعاب الجيوسياسية الكبرى.
هاجس فقدان السيطرة
بدوره، يحذر الباحث في معهد الاقتصاد والسياسة الدوليين جومابيك سيرابيكوف، من الخطر الذي يشعر به الغرب من ألا يكون قوة مهيمنة.
وبرأيه، فإن الأحداث الأخيرة على الحدود بين طاجيكستان وقرغيزيا، وبين أذربيجان وأرمينيا كانت مفتعلة، متابعًا أن “لدى الغرب كل شيء من أجل ذلك: أرض مواتية في شكل مناطق متنازع عليها بين بلدان متجاورة، وتنظيمات متطرفة يمكن أن تخرج للعمل من تحت الأرض، وإمكانية استدراج نخب سياسية في تلك البلدان للعمل ضد المصالح الروسية”.
نزاعات مؤجلة
ويردف الباحث سيرابيكوف أنه “لمدة 30 عاما بعد انهيار الاتحاد، كان لدى قيادات هذه الجمهوريات الوقت الكافي لحل هذه المشكلة. ومع ذلك، ما زلنا نرى أن الصراع لم يتم حله، والتفاقم الحالي قد تم تجميده مؤقتًا”.
ولا يرجّح الباحث الروسي أن تستمر فترة الهدوء طويلا بسبب “الخطاب الشعبوي” من كافة الأطراف، وعدم استعداد السياسيين لتقديم تنازلات متبادلة، مما يشكل “تربة أكثر خصوبة لعمل تخريبي غربي ضد روسيا، انطلاقا من محيطها الإستراتيجي”.