شجرة آدم.. أقدم أشجار العراق عند مصب دجلة والفرات ما قصتها؟ | منوعات
ورد ذكر الشجرة في مرويات ووثائق عدد من القنصليات في البصرة، كما ورد ذكرها في أدبيات الحقبة العثمانية، وفي رحلة نيبور عام 1765، وكذلك في البعثة الإيطالية عام 1781، وفي المرويات البريطانية والإيرانية.
يحفل العراق بكثير من المواقع الأثرية والمعالم التراثية التي لا تزال شاخصة منذ مئات السنين، وتدور حولها الأساطير المتوارثة عبر الأجيال.
وتعدّ “شجرة آدم” الواقعة في منطقة القرنة -عند التقاء نهري دجلة والفرات في محافظة البصرة جنوبي البلاد- واحدة من الرموز التاريخية القديمة التي تتباين الآراء حول عمرها ولغز وجودها.
لغز تاريخي
يصف أستاذ التاريخ القديم الدكتور ميثم النوري شجرة آدم بأنها واحدة من الألغاز التاريخية التي رفدت بها أرض الرافدين.
ويبيّن للجزيرة نت أن الروايات اختلفت في أصل هذه الشجرة، إذ أشارت بعض الدراسات التاريخية والروائية والأدبية إلى أن عمرها يعود إلى عصور الأنبياء، في حين أصرّ آخرون على أنها مجرد شجرة معمّرة.
ويؤكد النوري أن هذه الشجرة، بكل الأحوال، باتت تمثل أحد المعالم الأثرية المهمة للسياح في منطقة القرنة، حيث يتوافد عليها مئات الأشخاص سواء للتبرك، أو لطلب الأمنيات.
أستاذ التاريخ القديم أشار إلى أن بعض المصادر ترجع تاريخ الشجرة إلى عهد نبي الله إبراهيم عليه السلام، بعد أن وطئت قدماه هذه المنطقة قبل أكثر من ألفي عام، حيث أشار إلى أنه سوف تنبت في هذا المكان شجرة كشجرة نبي الله آدم في جنة عدن المذكورة في كتب الأديان القديمة.
وفي ما يخص عمر هذه الشجرة، فقد أشار بعض المختصين إلى أن عمرها يمتد بين 400 إلى 600 عام، إلا أن هناك إشارات أخرى تؤكد أن عمرها يتجاوز ألف عام.
وعن نوع هذه الشجرة، يقول النوري إن أغلب المصادر أشارت إلى أنها شجرة سدر، في حين ذهب آخرون إلى أن أصلها من شجر الكالبتوز.
المرويات القديمة
وورد ذكر هذه الشجرة في كثير من المرويات والوثائق التي خصت مجموعة من القنصليات والدول التي كانت موجودة آنذاك، حسب النوري.
وينقل أستاذ التاريخ عن قنصل روسيا القيصرية في البصرة آنذاك، الذي يعرف باسم ألكسندر أداموف، أنه ذكر في كتابه “ولاية البصرة في ماضيها وحاضرها” الذي صدر عام 1912 إشارة مهمة جدا خصت هذه الشجرة بأنه لا يمكن أن نصف مدينة القرنة وصفا كاملا من دون أن نذكر الأسطورة التي تقع في الموضع الذي كانت تقوم به جنة أجدادنا، وهي إشارة هنا إلى أنها كانت مركزا لجنة عدن.
ويتابع النوري “كذلك أبدى أداموف كثيرا من الأمور الخاصة بهذه الشجرة، بوصفها نوعا من أنواع أشجار الطلح العربية الواقعة عند ملتقى دجلة والفرات”.
كما ورد ذكر الشجرة في زمن الدولة العثمانية ووجودها في البصرة في كتاب “النصرة في أخبار البصرة” للقاضي أحمد نور الأنصاري عام 1860، إذ تحدث عن وجود شجرة قديمة مشهورة في منطقة القرنة، تسمى عند أهلها باسم “البرهام”، وهي نوع من جنس السمر ويزعم أهلها في المرويات أن هذه الشجرة تعود إلى زمن نبي الله آدم عليه السلام.
وبعيدا عن مكانها الذي يستقطب السياح، فقد ذكرت في العديد من كتب الرحلات -حسب النوري- مثل رحلة نيبور عام 1765، وكذلك في البعثة الإيطالية عام 1781، وفي المرويات البريطانية والإيرانية.
ويعرب النوري عن اعتقاده أن الاهتمام بهذه المنطقة من الرحالة والمستكشفين ينبع من تصورهم المنطقي وفق المرويات المذكورة في العهد القديم بصفتها “الأرض ذات الأنهر الأربعة”.
منشأ الحضارة
ويقول مدير مفتشية آثار وتراث البصرة السابق قحطان عبد علي العبيد إن “شجرة آدم” رغم أهميتها ليست بالضرورة أن تكون نفسها التي ذكرت أو تحدثت عنها الأخبار منذ مئات السنين، والأهم رمزيتها وموقعها.
ويضيف للجزيرة نت “لأننا كنا أحد المسؤولين عن كتابة ملف إدراج الأهوار على لائحة التراث العالمي، تعمقنا في دراسة هذه المنطقة، إضافة إلى إجراء مسوح ميدانية ودراسات حقلية، بالإضافة إلى الأبحاث الحديثة والقديمة الدولية والمحلية”.
ويلفت العبيد إلى أن منطقة دلتا دجلة والفرات، التي تنتهي فيها نقطة الأهوار في الوقت الحاضر حيث كانت ممتدة إلى الأبعد في الزمن السحيق، فيها أسرار حيرت العلماء المتخصصين، فأغلب الأساطير والحكايات عنها، كمكان نزول نبي الله آدم وكذلك ولادة نبي الله إبراهيم ونبي الله نوح وقصة الطوفان الشهيرة، وقد سميت “جنة عدن” في التوراة، وذكرت في كثير من الأبحاث أنها المنطقة التي نشأت فيها الحضارة السومرية وتميّزت عن الحضارات الأخرى بالرقي الذي وصلت إليه.
وينوّه العبيد الباحث بالتراث الثقافي العراقي إلى أن كثيرا من الباحثين والمتخصصين يقولون إن من المستحيل لشجرة تحتوي على مواد عضوية أن تبقى 400 عام أو أكثر على هذا الوضع الحالي رغم أن بعض أشجار غابات الأمازون الاستوائية فاقت الألف عام، حسب رأيه.
ويؤكد العبيد أن هذه المنطقة بقيت سنوات طويلة محط اهتمام المجاميع السياحية، ليس فقط بسبب هذه الشجرة، بل يرجع ذلك أيضا إلى أهمية هذه الزاوية عند التقاء دجلة والفرات وأهميتها التاريخية منذ نشأة الخليقة.
رمزية الشجرة
ويقول الصحفي والكاتب ماجد البريكان إن ما تعرف بـ”شجرة آدم” فاقدة للحياة منذ أعوام كثيرة، وهي عبارة عن جذع متيبس مثبت بمادة الإسمنت ومحاط بالرخام.
ويضيف للجزيرة نت أن أهمية الشجرة تكمن في قدمها ورمزيتها المكانية المرتبطة بملتقى دجلة والفرات، وقد أشار إليها بالإعجاب العديد من الرحالة والدبلوماسيين الأجانب في مؤلفاتهم في القرن الـ19 ومطلع القرن الـ20.
ويعتقد البريكان أن موقع الشجرة يمكن أن يعود مقصدا سياحيا مهما في حال تنشيط السياحة في جنوب العراق، وحتى ذلك الحين من الضروري الحفاظ على ما تبقى من الشجرة، فضلا عن بذل جهد علمي لتحديد عمرها الحقيقي، قطعا للجدل المثار في هذا الصدد.
يشار إلى أن قطعة المرمر الأبيض الموجودة تحت الشجرة كتب عليها باللغتين العربية والإنجليزية “بعدما صلّى النبي إبراهيم عليه السلام في هذه البقعة عام 2000 قبل الميلاد، قال ستنبت في هذه البقعة شجرة كشجرة آدم في جنة عدن”.