“بيت العالم الواحد” في ميونخ.. مجتمعات مختلفة في دار الغرباء والمواهب | ثقافة
ميونخ – في شارع شفانتهالر بمدينة ميونخ الألمانية جمعية يعرفها الغرباء أكثر من أهل البلد؛ فهي المكان الذي يبحث عنه المهاجر المثقف، والسياسي اللاجئ، والعازف الذي يبحث عن جمهور ذوّاق لموسيقاه، والرسّام الذي يعرض فيه لوحاته بعد عناء الترحال، والفقير الذي يأكل ويشرب من دون أن يطالبه أحد بدفع فاتورة الطعام والشراب.
كيف يكون العالم في بيت واحد؟ سؤال محيّر، لكن إجابته تجدها حين تدخل مبنى الجمعية، وتجول في أقسامها، وتراقب من يجلس في صالاتها أو من يقرأ في مكتبتها أو من يحتسي القهوة تحت ظل أشجارها في فسحتها التي تذكرك بفسحة بيت عربي.
هنا ثمة مشتركات إنسانية تكسر حاجز العرق واللون واللغة والجنسية، أهمها المشاعر الإنسانية التي تتوالد نتيجة القهر والظلم والهجرة فتنتج فنونًا وآدابًا بروح إنسانية لا تنتمي لمكان بعينه، لكنها بالضرورة تعبّر عن ألم المكان الذي غادره صاحب الموهبة.
جمعية “بيت العالم الواحد” ظهرت بشكلها الحالي في عام 2001، ولكنها كانت نتاج تجربة طويلة سبقت تشكّها الحالي بنحو عقدين، عندما بدأت الفكرة قبل 4 عقود بمقهى العالم الثالث، ثم كان من المنظمات التي شكلت معًا “بيت العالم الواحد”، ونتيجة توسع الجمعية قامت بلدية ميونخ بمنح هذا المكان للجمعية التي عُرفت باسم “بيت العالم الواحد”.
وتعدّ الجمعية مركزًا للثقافة وفعاليات الجاليات الأجنبية، ومشروع اندماج للاجئين من جميع الثقافات في العيش معًا والمشاركة بالنشاطات الأدبية والفكرية والاجتماعية كمشروع جامع وحاضن للثقافات، حيث الأمسيات والمعارض والندوات وحفلات الموسيقى، ويعدّ المرفق الوحيد الذي يعنى بهذه النشاطات في مقاطعة بافاريا.
مجتمعات مختلفة في بيت واحد
مسؤولة الأنشطة الاجتماعية والثقافية السيدة عائدة إبراهيم ألمانية من أصل فلسطيني، قالت للجزيرة نت “هنا تجدون كل الجنسيات التي تفد إلى ألمانيا نتيجة الحروب والأزمات وتجدون السياسيين الذين يعانون في بلاد العالم الثالث، فضلًا عن الأنشطة الثقافية التي ترعاها الجمعية”.
وأضافت “على الصعيد الإنساني، لمن لا يملك إقامات تقدم لهم الجمعية مساعدات مختلفة، سواء بالمساعدة بنيل الإقامات أو السكن أو اللغة أو الاندماج في المجتمع الألماني، كما نعمل على تقديم مساعدات للاجئين، لا سيما من سوريا وفلسطين، ونحن أيضًا نعمل للتعريف بمجتمعات اللاجئين وأحوال بلادهم وظروفهم السياسية والإنسانية”.
وعن الجانب الثقافي الذي تتميز به الجمعية، قالت “هنا تجد كتابًا من كل دول العالم، فثمة أمسيات ثقافية تعريفية ببلد الكاتب أو الشاعر أو الفنان التشكيلي، فضلًا عن محاضرات ونشاطات ثقافية متنوعة”.
هموم مثقفي العالم الثالث
ماركوس فاين كوبف، مدير جمعية “ريفوكيو” التي تقع في المبنى ذاته، وتعنى بالجانب الثقافي والدعم الإنساني، قال للجزيرة نت “أعمل في جانب الدعم الإنساني منذ 1980، والسبب الذي دفعني إلى ذلك الاضطهاد الذي يعانيه مثقفو العالم الثالث تحت سلطات القمع، عندما أدركت أن الأمر يستحق مساعدة هؤلاء”.
وتابع كوبف الذي يعمل أيضا في مجلس إدارة جمعية “بيت العالم الواحد” قائلا إن “أول من لفت نظري الفنانون المضطهدون سياسيا في بلدانهم، فقد كانت السجون تعج بهم بدل المراكز الثقافية، ومن ينجو من السجن فهو تحت مقص رقيب السلطة، فهم فعليًّا عاجزون عن الكلام”.
وأضاف “نحن مجموعة صغيرة من الناشطين المنتشرين في جميع أنحاء أوروبا، أردنا أن نمنح هؤلاء الفنانين فرصة يبحثون عنها، وأن يكون صوتهم عاليًا مسموعًا من دون قمع. وندين بالفضل للمخرجة الفرنسية أريان منوشكين التي أسهمت بتعريفنا بتلك الطاقات المبدعة، في هذا الوقت تعرفت على العديد من الفنانين، معظمهم من قطاع المسرح، أو الفن التشكيلي مثل الفنان محمد القادري الذي تعرفت عليه ورأيت موهبته حين كان ناشئًا وتنبأت أن يكون أحد الفنانين المتميزين في العالم”.
بيت المواهب
الفنان التشكيلي محمد القادري فنان تشكيلي ألماني من أصل سوري، قال للجزيرة نت “دخلت بيت العالم الواحد في سن الـ13 متدربا في الفن التشكيلي، وأشرف على تدريبي نخبة من الفنانين المتطوعين”.
وأردف “في هذا المبنى تعرفت على مديرة الورشة الفنية للأطفال اللاجئين في جمعية ريفوكيو، التي تتعاون مع بيت العالم الواحد في سياق الفن للأطفال والناشئين، ونظرًا لتقدمي المتسارع في التعلم أصبحت مشرفًا على دورات المجموعات الفنية”.
وتابع القادري “في عام 2010 دخلت عالم الفن بشكل أكاديمي في كلية الفنون الجميلة في ميونخ، وبعد تخرجي واحترافي للفن أعمل في مرسمي الخاص كما أقمت معارض متعددة، إلا أن بيت العالم الواحد يبقى المكان الذي لا أستطيع عنه انقطاعًا”.
وأردف القادري “إنه مكان مفعم بالحيوية حيث تناقش قضايا السياسة، والتلاقح بين الثقافات، والهجرة والتنمية، كما تُقدَّم مجموعة واسعة من المعالم الثقافية مثل القراءات والمعارض والحفلات الموسيقية وعروض الأفلام. إنّه باختصار جسر التواصل مع المجتمع في المجتمع الألماني من الاندماج، كذلك جسر التعارف بين ثقافات الشعوب في الآداب والفنون”.
دار الغرباء
هانا غيتس، متدربة في الجمعية، قالت للجزيرة نت “أعمل مجانًا في الإدارة، هنا يوجد أناس من شتى بقاع العالم، المكان يقدّم أيضًا المساعدات الاجتماعية المختلفة، فقد دأب البيت على فتح أبوابه لجميع الغرباء ومن لا يوجد لديه مال أو قدرة على الشراء، من اللاجئين وسواهم، يمكنه أن يأتي إلى هنا ويجد طعامًا وشرابًا من دون مقابل”.
وأردفت “ولدت بمدينة ميونخ وأعمل متدربة هنا، أشعر بسعادة كبيرة لا سيما على المستوى الإنساني، فالاحترام المتبادل بين الناس القاسم المشترك بين العاملين والزائرين”.